عبد الجليل الشرنوبى
مرحلة إعداد «الذئب المنفرد»
انتهى بنا المقال السابق إلى استطلاع المراحل الثلاث الأولى من حياة (ذئاب الإرهاب المنفردة)، والتى تبدأ بالاصطياد –الاختيار-، مروراً بالتأهيل فالتجنيد والمبايعة، لنصل فى هذه السطور إلى المحطة الأكثر توحشاً والتى تسبق إطلاق (الذئب المنفرد) صوب هدفه وهى (الإعداد)، والتى تتم فيها عملية الصياغة اللازمة لـ (الذئب المنفرد) بحيث يكون قادراً على تنفيذ مهمته التى يكلفه بها التنظيم أو التى يختارها لنفسه بحسب الظروف المحيطة به.
ومن باب دق ناقوس الخطر دعوة لتنبه ولاة الأمر، فإنه من اللازم الإشارة إلى إن بيئات إعداد (الذئب المنفرد) لا يشترط أن تكون مفتوحة، بل إن ساحة رئيسية من ساحات الإعداد فضلاً عن الاختيار والتجنيد هى (السجون)، وهو ما يستدعى إعادة صياغة آليات إدارة السجون حتى لا تتحول إلى حاضنات تجمع طبيعية مؤهلة لتفريخ عشرات الذئاب المنفردة ولعل فى منفذ عملية تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية نهاية العام الماضى نموذجاً لذلك. ففى السجون يستثمر عملاء التنظيم (الصيادون)، جميع العناصر المتاحة لإعداد النزلاء المستهدفين، بحيث يتلقى الذئب المنفرد داخلها ألواناً متعددة من صنوف التدريب.
وتبدأ بالشق (البدنى) ويتم داخل الزنازين والعنابر وفى أثناء التريض متضمناً ممارسة التمارين المؤهلة وصولاً لتعلم الرياضات العنيفة، ثم التدريب على تحمل التعذيب الجسدي، ويلى ذلك (الإعداد الأمني) وهو المعنى بكيفية تجاوز المراقبة الشخصية وآليات التأمين الإلكترونى للحسابات والوثائق وطرق الرصد والتتبع وتحديد الأهداف، وانتهاءً بالتعامل مع المحققين فى حال الارتياب فى الشخص أو كشفه. وينتهى إعداد (ذئاب السجون) بالشق العلمى متضمنا كل ما هو خادم لحركة (الذئب المنفرد) وفقا للمهام التى سيكلف بها مستقبلا. وتتم الاستعانة فى هذا الصدد بمقاطع مصورة وروابط تنشرها النوافذ الإعلامية لتنظيم داعش وبعض المواقع المجهولة الهوية ويشاهد السجناء ذلك عبر هواتف ذكية.
أما إعداد (الذئاب المنفردة) خارج السجون، فليزمه (ساحة تدريب)، وهى البيئة الحاضنة لعملية التدريب المتخصص، وتختلف بحسب تبعية المستهدف الجغرافية لجهة التجنيد (الاصطياد) بحيث تكون الوجهة إما داخلية (سيناء) حال كان الذئب مجنداً من قبل عنصر –صياد- تابع لتنظيم داعش، أو (خارجية) حال كان الذئب مجنداً من قبل عنصر –صياد- تابع للتنظيم فى العراق أو سوريا أو ليبيا، فيتم نقله حسب حالته الأمنية، فإن كان غير مطلوب أمنياً أو ممنوع من السفر فيتم تسفيره عبر الوسائل التقليدية (طيران أو بري)، أما فى حالة الشخص المطلوب أمنياً أو المرتبط بدوائر مطلوبة أو على ذمة قضايا فيكون السفر تهريباً عبر الحدود.
وبمجرد وصول الذئب المنفرد إلى إحدى دول الجوار يكون فى استقباله (الوسيط) الذى سيوصله إلى مسئول تدريبه، حيث يصل الذئب المنفرد لمقر إقامة المسئول فى ساحة الإعداد ويُستقبل بحفل ضخم تملؤه التكبيرات والتهليلات والتبشير بالنصر، لتبدأ فترة التدريب الأولى لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.وخلال الأيام العشرة الأولى تبدأ عملية (التهيئة) مشتملة على متابعة لتدريبات العناصر الأقدم فى الالتحاق بالمعسكر، ثم جلسات مكثفة تناقش (فرضية الجهاد -كفر الأنظمة العالمية والإسلامية والعربية الحالية -وجوب الثأر للظلم الذى طال العضو والمجتمع الإسلامى كله -المكاسب المتوقعة للتنظيم وأعضائه حال نجاح مخططاتهم).
ثم يلى ذلك مرحلة (تطوير أدوات الحركة) عبر الإعداد البدني، وإتقان لغة الجسد وطرق التعامل مع كل شخصية قد يلتقيها فى طريقه إلى التنفيذ، ثم التدريب على آليات التخفى والتنقل بسلام ومناورة أجهزة ورجال الأمن وطرق اختراق نقاط التفتيش والحواجز الأمنية. وتنتهى فترة الإعداد بالانتقال إلى التدريب المسلح والذى يتم فى ساحات مخصصة لذلك، ويشمل كل ماهو مرتبط بالأسلحة. وتنتج حاضنات التدريب فى الدولة المجاورة ثلاثة أنواع رئيسة من الذئاب المنفردة، بحسب قدراتها واستجابتها للتدريبات، الأول (عادي) وهو الذى أثبت التدريب الأولى أنه محدود القدرات.ويتم توجيهه إلى مصر بعد تكليفه بأهداف بسيطة (تفجير برج كهرباء –قنص خفير أو مخبر)، وبالطبع يتم الاتفاق معه على آليات التواصل والدعم والتسليح.
أما النوع الثانى فهو (المتميز) ويليه (اليائس)، وكلاهما اجتاز التدريب الأولى بنجاح غير أن الأول أثبت تميزاً والآخر تمكن منه اليأس والقنوط والسخط على الدنيا وما فيها، وكلاهما يتم توجيهه إلى ساحات القتال المتقدمة لتطوير قدراتهما ومهامهما، وعادة ما يتم استخدام الأخير فى تنفيذ عمليات انتحارية. وبهذا تكون قد انتهت محطة الإعداد الأولى فى الدولة المجاورة، لتبدأ رحلة أكثر تعقيداً وأشد توحشاً فى ساحات القتال المفتوحة حيث (الفوضى الخلاقة الأمريكية) تتجسد فى أبشع صورها على أطلال دول كانت وحضارات عريقة أجْتُثَتْ، واستحالت ساحات توحش ترعى فيها ذئاب الإرهاب.. وللحديث بقية إن شاء الله.