المساء
محمد أبو كريشة
اسمعوا مَوَّالي.. لا خير في المُعارِض ولا الموالي!!
لاحظت أنها مثل كل المصريين تسرف إسرافاً شديداً في استخدام كلمتي "أحب وأكره".. واستدعيت وأنا أتابع إسرافها الشديد في توزيع حبها وكراهيتها مجاناً وبلا مقابل. جملة رائعة وحكمة بليغة لباب مدينة العلم الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه حين قال: "احبب حبيبك هوناً. فقد يكون بغيضك يوماً. وأبغض بغيضك هوناً. فقد يكون حبيبك يوماً".. وأكد لي إسرافها واندفاعها في الاستخدام العشوائي لكلمتي "أحب وأكره" أننا قوم متطرفون انفعاليون وأننا لا نجيد في حياتنا سوي الكراهية.. أما الحب. فنحن لا نعرف معناه سوي أنه علاقة بين رجل وامرأة أجنبيين أي أن الكراهية عاطفة والحب شهوة.. والعاطفة أدوم من الشهوة.. العاطفة دائمة والشهوة وقتية.. لذلك نصرِّح بكراهيتنا علناً. ولا نصرِّح بحبنا إلا سراً.
هذا جانب.. أما الجانب الآخر. فهو أن الحوارات الفكرية والسياسية والدينية لا مجال فيها لكلمتي "أحب وأكره".. وإنما مجالها والمناسب لها هو "أختلف واتفق".. ولكن لأننا نشخصن الحوار ونحوِّله من أفكار متعارضة إلي أشخاص. فإننا نقع في رذيلة "أحب وأكره".. تقع في نفس مستنقع الكراهية من القلب والحب من تحت.. والذي يحب ويكره في الفكر والدين والسياسة ويشخصن الأمور لا يمكن أن تصل إلي رأسه أبداً. ولا يمكن أن ينتهي الحوار معه علي خير.. أو حتي لا ينتهي أبداً.. وأنا تعلمت أن أصدق كراهية المصريين. ولا أصدق حبهم.. أصدق أن الرجل يكره هذه المرأة. وأن المرأة تكره هذا الرجل. لكن لا يمكن أن أصدق أن أحدهما يحب الآخر.. لأن الكراهية فوقية دائمة والحب تحتي زائل.
نحن نغني في حب الوطن أغنيات تستمطر الدموع. ولكننا نكره الوطن بأفعالنا لا بأغانينا.. فالحب أغنية وقصيدة ولسان. والكراهية فعل ونزوع وحركة وقلب.. وقد قالت لي التي أحاورها إنها تكره فلاناً.. "أي مسئول أو أي نظام".. ولم تقل تكره أفعالاً. بل قالت إنها تكره كلاماً.. وتلك نقيصة أخري في المصريين.. فنحن نريد الكلام ولا يعنينا الفعل.. كلامه حلو وأنا أحبه.. كلامه "وحش" وأنا أكرهه.. والمؤسف حقاً أن نحكم للناس أو عليهم من خلال كلامهم الذي أحببناه أو كرهناه.. لذلك يسهل جداً خداعنا والتغرير بنا واستدراجنا من قبل الأشرار. بينما نبتعد عن الأخيار لأننا نكره كلامهم.. وهذا هو سبب هشاشة المصريين وضعفهم وسهولة الضحك عليهم. واستدراجهم بكلام ديني حلو. أو كلام سياسي حلو.. المهم أن يوافق الكلام الهوي.. والهوي هو الهوان والذل.. هواي هو الذي يذلني ويجعلني سهل الاستدراج إلي الرذائل وإلي الخطايا وإلي التطرف والإرهاب.. هواي مع هذا الشيخ لأن كلامه حلو ومع هذا السياسي لأن كلامه حلو.. ونحن نحكم علي الناس بكلامهم.. فهذا المُعارِض شجاع وبطل لأنه قليل الأدب. وهذا الموالي منافق وكذاب لأن كلامه تطبيل وتزمير.. نحن غير معنيين بالعقول ولا المواقف ولا الأفكار. ولكننا معنيون بالكلام.. وعندما تدخل كلمتا "أحب وأكره" من الباب يخرج المنطق والعقل وحتي الدين والفكر من الشباك.
وهكذا لا فرق بين موالي ومُعارِض عندما تسود كلمتا أحب وأكره.. فالموالي يحب النظام بتطرف يعميه عن إدراك الحقائق والعيوب والنقائص.. والمعارض يحب تياره وانتماءه وفلوس المعارضة والناشطين والتمويل وهو ما يعميه عن إدراك الإنجازات والحركة الإيجابية.. والموالي يكره الإخوان ولا يختلف معهم والمعارض يكره النظام ولا يختلف معه.. الموالي المؤيد يحب ويكره والمعارض الرافض يحب ويكره.. هنا يسقط المنطق ويذهب العقل بلا عودة.. ومن المستحيل إقناع من يحب ويكره بعكس فكرته.. لأن هواه أعماه وأضله.. لأنه اتخذ إلهه هواه.. لذلك لن يصل المصريون أبداً إلي نقطة تلاقي أو منطقة اتفاق.. وعندئذ يكون الكف عن محاورتهم أفضل ويكون السكوت نجاة من الصداع وارتفاع ضغط الدم.. وإذا أردت أن تكون منطقياً ومتأملاً. ومفكراً فسوف تموت كمداً لأنك لا تقف علي أرضية مشتركة مع من تحاوره.. فهو علي أرض "أحب وأكره". وأنت علي أرض "اختلف واتفق".
والذي يقف علي أرض "أحب وأكره" يسهل تصنيفه مع فلان أو ضد فلان.. أما الذي يقف علي أرض "أتفق وأختلف". فلا يمكن تصنيفه ولا يمكن أن يُقال إنه مع الإخوان ضد النظام أو مع النظام ضد الإخوان.. هو شخص جوَّال متأمل يبحث عن الحقيقة.. والحكمة والحقيقة ضالة المؤمن إن وجدها أخذها.. واستدعي هنا قولاً آخر للإمام علي بن طالب كرَّم الله وجهه إذ يقول: "يُعرف الرجال بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال".. ما معني هذا..؟ معناه أنك لا تعرف الحق لمجرد أن فلاناً الذي تحبه قال أو فعل شيئاً.. ولكن يجب أن تعرف فلاناً وتحبه لأنه قال الحق أو فعله.. بمعني أن المواقف هي التي تعرفك الرجل وليس الرجل هو الذي يعرفك المواقف والحقائق.. هذا رجل لأنه قال الحق.. وليس هذا حق لأن الرجل قاله.
ودعوني أزعم أنني استعصيت علي التصنيف طوال حياتي ودائماً أتعرض لسؤال متكرر " أنت مع مين بالضبط؟"..وأسعد جداً لأن السؤال ليست له إجابة.. فأنا باحث عن الحقيقة التي خرجت من مصر ويبدو أنها لن تعود قريباً.. بل خرجت من الأمة العربية ولن تعود.. والآفة والمصيبة هي شعار التي حاورتها وندمت.. وشعار المصريين والعرب الذين حاورتهم وكففت وندمت.. وأعني شعار "أحب وأكره".. لذلك لن نلتقي أبداً.. ولن تشرق شمس الحقيقة.. وسيظل مَوَّالي "لا خير في المعارض ولا خير في الموالي"!!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف