في الأسبوع الماضي احتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة دون أن يكون لهذا اليوم صدي عندنا.. وبهذه المناسبة وجه أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة رسالة الي العالم شدد فيها علي ضرورة "وجود قادة يدافعون عن حرية الاعلام لمواجهة التضليل الاعلامي السائد". وأشار الي أن الصحفيين يذهبون الي أشد الأماكن خطرا وهم صوت من لا صوت لهم.. وأن الاعلاميين يعانون الاساءة البالغة الي شخصياتهم ويتعرضون للاعتداء الجنسي والاحتجاز والجرح.. بل حتي للموت.
أما الاتحاد العام للصحفيين العرب فقد طالب بتحرير الصحافة ووسائل الاعلام من السيطرة الحكومية واطلاق حرية اصدار الصحف وتأسيس المنظمات الاعلامية المستقلة والحرة.. وحذر من دخول الصحافة العربية في بعض البلدان العربية في مراحل الاختناق نتيجة القيود المشددة والعقوبات السالبة للحرية.
اعتقد أن هذه رسالة جيدة وفي وقتها تماما.. وعلينا أن نستوعب دلالتها في الوقت الذي تبحث فيه الهيئة الوطنية للصحافة تعيين قيادات جديدة للمؤسسات الصحفية القومية تعيد للصحافة المصرية أهميتها ومكانتها.. ومن أهم مؤهلات هذه القيادات الي جانب المهنية والموهبة والقدرات القيادية أن تكون كما قال أمين عام الأمم المتحدة "قادة يدافعون عن حرية الصحافة لمواجهة التضليل الاعلامي السائد".
من حقنا أن نحلم بأن يكون هذا البعد موجودا في معايير الاختيار للمناصب القيادية بالصحف القومية.. فحرية الصحافة هي الركن الأساسي في مهمة الاصلاح الشامل القادمة التي تتحدث عنها الهيئة الوطنية للصحافة.. ولو لم يكن رئيس التحرير القادم ورئيس مجلس الادارة مؤمنين بمبدأ حرية الصحافة فلا أمل في أي اصلاح.. وستكون النتيجة مزيدا من الخسائر والاضمحلال والتقوقع والانكماش في الصحافة القومية لصالح الصحافة الخاصة التي تنجح في توسيع مساحات الحرية والتنوع والانطلاق.
ومعروف للكافة ان الحرية تعني الابداع.. والصحافة مهنة الإبداع.. وكلما كان سقف الحرية مرتفعا كانت فرص الإبداع والنجاح والتفوق متاحة أكثر.. والحرية المقصودة هنا التي يجب أن ندافع عنها ونحميها هي الحرية المسئولة.. التي تلتزم بنصوص القانون والدستور وتراعي مصالح الوطن العليا.. ولا تنزلق الي مهاوي التحريض علي العنف أو التمييز العنصري وبث الكراهية وتهديد الوحدة الوطنية حتي لا تنقلب الحرية الي فوضي.
هل تصدق أن الصحافة المصرية كانت تبعث بمراسليها الي مواقع التوتر في مختلف دول العالم.. وأن "أخبار اليوم" أرسلت الأستاذ هيكل لمتابعة الحرب بين الكوريتين في أقصي شرق الكرة الأرضية قبل التأميم؟
هل يمكن أن تعود صحافتنا الي جزء من هذا المستوي اليوم.. فتحرص علي أن تشارك في نقل الحدث بعين مصرية دون الاعتماد والنقل من وكالات الأنباء العالمية ومواقع الانترنت؟
ستظل حرية الصحافة هدفا نبيلا.. يتطلب تحقيقه الكثير من الجهد في تدريب الصحفيين وتأهيلهم وتطوير القوانين لالغاء العقوبات السالبة للحريات ومنع الحبس في قضايا النشر وإقرار حرية تداول المعلومات ووضع ميثاق شرف قوي ومؤثر لضبط الأداء الصحفي والإعلامي ووضع ضمانات حقيقية لاستقلال الصحافة عن سلطات الدولة الثلاث لتمارس دورها الطبيعي كسلطة رابعة.. سلطة شعبية تري وتراقب بعين الشعب.. وتتحدث بصوت من لا صوت لهم.
ولا تصدقوا ان الصحافة الورقية ستنقرض.. طالما فيها من ينطق بكلمة الحق.. فاذا منعت كلمة الحق وتم خنقها والتضييق عليها ماتت الصحافة.