الفساد في مصر قضية محورية تجهض في طريقها وتستنزف أي ثمار تتحقق كنتاج لخطط التنمية المختلفة بل إن الفساد بأشكاله وصوره التي تتعدد وتتنوع حسب ظروف الحال في كل وقت وأوان كالسوس ينخر في جسد الأمة ومنذ الخمسينيات ونحن نتابع برامج وخطط يعلن عنها ويرصد لها وتنقضي الأيام وتتمخض عن لا شيء.. المعاناة المجتمعية هي كما هي بل تزداد يوماً بعد يوم ذلك لأننا لم نقطع دابر الفساد بل إنه يجد الفرصة ليتحور ويتشكل ويستنزف طاقة المصريين وحتي نتطلع ونأمل الفوز في معركتنا مع الفساد لابد أن نتعرف علي أسبابه التي تتنوع بين اقتصادية أهمها انخفاض مستوي الدخول وتفاوتها وافتقادها لعنصر العدالة في الغالب الأعم علاوة علي المبالغة والإسراف في الإنفاق الحكومي بغير مقتضي ولعل الصورة الصارخة لهذا الأمر تأثيث المكاتب الحكومية وتدبير وسائل الانتقال وإدارتها كما أن السهولة التشريعية لإنشاء الصناديق الخاصة أوجدت منافذ للفساد تستظل بشرعية قانونية ليس هذا الأمر علي إطلاقه. فهناك صناديق جادة تخضع للمراجعة والمحاسبة يفضل الحفاظ عليها وتكريس وجودها مثل صناديق الخدمات والتنمية المحلية.
ولعلي أضع في المرتبة التالية للأهمية في أسباب الفساد في مصر المكونات الاجتماعية وكان أهمها تراجع القيم والعادات خاصة بعد 25 يناير وضعف الثقة في الحكومات المتعاقبة ورجالاتها واعتبار الوساطة والمحسوبية عرفاً مقبولاً يسعي من خلاله الجميع لإنجاز مصالحهم في وقت كان يجب أن يكون توجهاً مرفوضاً مستنكراً من الكافة علاوة علي أن المجتمعات المحلية أصبحت تتقبل بشكل واضح الفساد الصغير وتأتي الأسباب القانونية في موقع متقدم حيث تعدد القوانين واللوائح وطول الإجراءات والتراخي في تنفيذ العقوبات وضعفها في كثير من الأحيان كما أن غياب المجتمع المدني وضعف دور وسائل الإعلام والتركيز علي وقائع الفساد والصورة المشوهة للمجتمع سبباً رئيسياً في تجدُّر الفساد وتشعُّبه.
عموماً فإن القصور الإداري وانتشار البيروقراطية وضعف الرقابة الداخلية أسباب لا يمكن إغفالها في انتشار ظاهرة الفساد في مصر. ومما يصعب الحرب ضد الفساد إنه قد اقترن في الفترة الأخيرة بالحرب ضد الإرهاب وكل منهما يكمل أهداف الآخر في إهدار الدولة المصرية والإخلال بأركانها أقول ذلك والمجتمع يكتوي يوماً بعد يوم بغلاء الأسعار وتوحش بعض التجار وغيبة الفعل الحكومي الحاسم لقضية مجتمعية يصعب تأجيل وترحيل مواجهتها. لأنها متعلقة ومرتبطة بحياة الناس وهناك حدود لطاقة التحمل لا يخفف من غلوائها تصريحات هلامية تفتقد ارتباطها بالواقع وهي في مجملها لا تغني ولا تسمن من جوع إذا كنا قد أعلنا الحرب علي الإرهاب والفساد فعلينا أن نأخذ وفوراً بالأسباب فليس لدينا ترف الوقت والصراع علي أشده