الوطن
محمد صلاح البدرى
رسائل المملكة التليفزيونية!
١- كثيراً ما تحتاج السياسة إلى النظر بمنظور شمولى لكافة الأوضاع.. وقتها تتغير المفاهيم وتتضح الكثير من الأمور المتشابكة.. والسياسى الناجح هو الذى يتمكن من تقييم الأمور فى غرفة مغلقة.. بمعزل عن كل المؤثرات الخارجية ووسائل الضغط.. وبحساب كل المتغيرات فى الوقت نفسه.. حتى وإن بدت تافهة غير مهمة للعوام.. هكذا تمارس السياسة.. وهكذا تدار الدول.. وهكذا قرر النظام السعودى أخيراً.. بعد شهور من الانصياع لمن لا يريدون له أن يستمر كثيراً!!

٢- لم يكن حوار الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد السعودى على قناة العربية حواراً تقليدياً بكل تأكيد.. بل أعتقد من وجهة نظرى أنه قد تخطى مرحلة الحوار المهم.. إلى مرحلة الحوار «الأهم» فى تاريخ المملكة الحديث فى عهد والده الملك سلمان.. وفى تاريخ العلاقة بين القاهرة والرياض.. ربما منذ نشأة المملكة!

لقد كان حديث الرجل الأكثر تأثيراً وسيطرة على مجريات العلاقات المصرية السعودية يحمل العديد من الرسائل لمصر.. ويحمل فى الوقت نفسه أكثر من رسالة للغرب الذى يقف منتظراً ما ستسفر عنه المعركة الباردة بين الدولتين الأكبر فى المنطقة الملتهبة! لقد كان حواراً سياسياً أكثر منه حواراً إعلامياً.. وأعتقد أنه قد أصاب هدفه بدقة.. أو فى طريقه إليه بنجاح!

٣- «إن العلاقات بين مصر والسعودية تاريخية.. وإنه لم يصدر أبداً سواء من الرئيس السيسى أو الملك سلمان أى تصريحات سلبية تجاه الطرف الآخر»، بهذه العبارة يحسم الأمير الأقوى فى البلاط الملكى السعودى كل المعارك الإعلامية بين الدولتين خلال الفترة السابقة.. بهذه العبارة ينفى أى خلاف أو توتر قد حدث بين الزعيمين.. أو يعلن انتهاءه إن كان قد حدث! لقد قرر الطرفان أن تعاونهما سيكون أكثر فائدة لكل منهما من تلك المعركة السخيفة.. وأن إخراس الألسنة التى تتطاول من كل جانب ربما يكون أكثر نفعاً من استخدامهم فى تراشق سوقى يصب لعناته للداخل فقط.. بينما يقف الجميع حولهم لينتظر ما ستسفر عنه تلك المعركة الصبيانية التى لا طائل منها.

٤- تغيرات مفاجئة فى الهيكل الداخلى لحكومة المملكة دون سابق إنذار.. الأمر الذى يشى بمعلومات غير مؤكدة عن مشاكل تتعلق بالولاء للحاكم نفسه.. قرارات قوية تصدر من بلاط الملك فى الرياض.. متزامنة مع زيارة غير متوقعة للرئيس المصرى قبلها بساعات.. التى لا أعتقد أنه يمكن فصلها عن تلك القرارات بأى حال من الأحوال.. أزمة اقتصادية تعانى منها المملكة مؤخراً ربما تعد الأقوى فى تاريخها.. تتزامن مع معاناتها فى حروبها التى تخوضها على كل الجبهات.. بينما يحاول الملك الحفاظ على توازن النظام الحاكم فى ظل كل تلك الضغوط غير المألوفة..! المشهد كله يبدو وكأن المملكة قررت أن تتوقف عن صناعة الخصوم.. وهو قرار ربما كان الأصوب منذ فترة طويلة..! حوار الأمير القوى محمد بن سلمان.. الذى سبقه بأيام عودة البترول السعودى للقاهرة يشى بتراجع فى توجه المملكة نحو النظام المصرى.. وانتهاء لحالة البرود التى انتابت العلاقات منذ أزمة قرار مجلس الأمن بشأن سوريا.. أو هكذا يظن المراقبون!

٥- خطوات عملية جديدة ينتظرها الجانب المصرى بعد تصريحات محمد بن سلمان لفضائية العربية السعودية.. خطوات لتفعيل المشاريع المتوقفة على الأراضى المصرية.. وللبدء فى مشروع الجسر المصرى السعودى الذى سيوفر منفذاً مستمراً للعلاقات التجارية بين البلدين.. تحركات على الأرض هى ما ينتظره الشعبان الشقيقان للتخلص من كل آثار الأزمة الأخيرة.. واستثمارات منتظرة يحتاجها الفريقان هى ما يطمح فيه الجميع.. لتعود الشقيقة السعودية إلى رحم الأخت الكبرى من جديد.. ولتبدأ جولة جديدة من العلاقات بين الدولتين.. دون النظر لدعاة الهدم من الجانبين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف