المصريون
جمال سلطان
مسئولية السيسي عن "تناحة" السلطة التنفيذية
حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن وجود أزمة هيكلية في مصر عبر عنها بأننا في "شبه دولة" لا يعفيه من المسئولية عن السلوكيات العابثة التي تتخذها الحكومة ووزراؤها وأجهزتها تجاه الرأي العام وتجاه الشعب ـ مصدر السلطات حسب نص الدستور ـ ، لا يوجد هناك دولة ولا شبه دولة تدار بمنطق "التناحة" أو مبدأ "هي كده وإذا كان عاجبك يا شعب ! ، هذا خطير ، ويؤسس للفوضى وانفراط عقد الولاء نهائيا للمواطن تجاه وطنه ، واعتباره أن تلك الحكومة ليست أمينة على مصالحه ولا على حقوقه ولا على الوطن ومقدراته .
كتبت هنا ، وكتب غيري كثيرون ، عن توظيف ابنة وزير الأوقاف الشابة صغيرة السن وحديثة التخرج من كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية في شركة بترول حكومية كبرى ، وتساءل الناس جميعا عن "العبقرية" التي جعلت ابنة وزير الأوقاف تنال وظيفة عجز عن نيلها المئات من حاملي الدكتوراة والماجستير في مصر يتظاهرون بصفة دائمة أمام مجلس الوزراء للمطالبة بفرصة عمل ، وسألنا عن الطريقة التي تم بها تعيين تلك الفتاة في هذه الوظيفة المرموقة وهل تم بالأمر المباشر أم كان هناك إعلان للجميع ومسابقة وفازت بها بشكل شرعي ، وما هي طبيعة عملها في تلك الوظيفة وما صلته بكلية التربية التي تعد طلابها للتدريس ، وطالب الجميع وزير الأوقاف بالخروج إلى الشعب بإجابات واضحة ، وأن يفسر ما جرى ، ويبعد عن نفسه أي شبهات ، خاصة وأنه وزير مسئول عن منابر المساجد وخطب الجمعة واختيار من يعظون الناس بالحلال والحرام ويتحدثون عن الفساد وأكل مال الدولة أو الغير بالباطل ، كما طالبنا وزير البترول أن يوضح حقيقة ما جرى ، ورغم كل ذلك ، والفضيحة التي سارت بها الركبان كما يقال في الأمثال ، لا أحد في الحكومة تكلم ، لا وزير الأوقاف أوضح شيئا ، ولا وزير البترول برر شيئا ، ولا متحدث الحكومة شرح حقيقة ما جرى ، بمعنى آخر ، قالوا لنا وللشعب : هي كده يا ولاد ... وإذا كان عاجبكم ، وأعلى ما في خليكم اركبوه ، هذه ليست دولة ، ولا حتى شبه دولة ، هذه غابة ، مال سايب ، نهيبة ، تستباح فيها مصر ومقدراتها وخيراتها دونا عن شعبها البائس الفقير ، وتعطي رسالة دالة على منطق هذا العهد : طبل وزمر للنظام وغازل الرئيس كل يوم في الإعلام ثم افعل ما تشاء ، فأنت مأجور وخرقك للقانون والدستور مغفور .
أيضا ، على نفس الوتيرة ، كتبنا ، وكتب المئات ، بل الملايين إذا رصدنا ما نشر على شبكات التواصل الاجتماعي ، نطالب وزارة الداخلية بتنفيذ حكم القضاء النافذ بضبط اللواء حبيب العادلي ، وزير الداخلية الأسبق ، والذي حكمت عليه محكمة الجنايات بسبع سنوات سجنا ، وكان موضوعا قيد الإقامة الجبرية ، أي في حوزة جهات الأمن ، غير أن أحدا لم يعبأ بهذه النداءات ، وظل حبيب العادلي هاربا من العدالة ، يرتع في ظل حماية مجهولة ، ونقترب الآن من شهر كامل ووزارة الداخلية عاجزة ـ أو تدعي أنها عاجزة ـ عن القبض على العادلي وإيداعه السجن تنفيذا لأحكام القضاء ، وحتى النيابة العامة أصدرت مذكرة تناشد الداخلية سرعة ضبط العادلي وتنفيذ حكم المحكمة ، ولكن حتى اليوم لا أحد يجيب ، ولا أحد ينفذ ، لا أحد يعبأ أساسا بأن يخاطب الرأي العام بأي شيء ولا حتى يرد على النيابة ، كأن الحكومة والداخلية والأجهزة تقول للشعب كله : طظ ، لن ننفذ الحكم ، وأعلى ما في خيلكم اركبوه ، ثم يتصورون بعد ذلك أن المواطن سيأخذ العبرة والدرس في احترام القانون وأحكام القضاء والنظام العام .
هذه "التناحة" الرسمية المهدرة للقانون والدستور والحقوق هي مسئولية مباشرة للحكومة بالطبع ، ولكنها مسئولية مباشرة أيضا على الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيا ، لأن الدستور نص على أنه يمثل السلطة التنفيذية ويرأسها ، وأصبح من الملزم للسيسي أن يوضح هو نفسه للرأي العام : لماذا لم يتم القبض على حبيب العادلي حتى الآن ، ولماذا تم تعيين ابنة وزير الأوقاف خريجة كلية التربية في شركة البترول الحكومية ، وإنا لمنتظرون ...
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف