المساء
مؤمن الهباء
أسرار النجاح والفشل
أسهل ما يلجأ إليه المسئول عندنا لتبرير فشله القول بأنه لم يكن يعلم أن الموقف صعب وأن التحديات بهذه الخطورة.. يبدأ المسئول عادة مهامه بتصريحات متفائلة ووعود لا سقف لها ليؤكد أنه سيأتي بما لم يأت به الأولون جميعا.. وأنه الأجدر بالمنصب.. وأنه يمتلك من المواهب والقدرات ما سيطور به ويغير ويصلح ما أفسده السابقون.. وتمر الأيام والليالي بسرعة وتبقي الأزمات علي حالها إن لم تزداد سوءا.. وعندما يسأل صاحبنا الذي كان مزهوا بنفسه عن سبب فشله تكون الإجابة الجاهزة أنه لم يكن يعلم أن الأمور بهذه الصعوبة وان التحديات أكبر من قدراته والفساد أقوي من أدوات مقاومته.
وعندما نحصل علي هذه الإجابة التقليدية المتوارثة لابد أن نسأل نحن أنفسنا: أين يكمن الخطأ؟.. هل في المسئول الذي لهث وراء المنصب ولم ينشغل بغير الامتيازات التي سيحصل عليها دون النظر إلي المسئوليات التي ستلقي علي عاتقه والتي قد لا يكون مؤهلا لها.. أم فيمن أوصل هذا المسئول إلي منصبه وهو يعلم ــ أو لا يعلم ــ عدم قدرته علي أداء المهام الموكلة إليه؟.. أم في النظام العام الذي لا يضع معايير محكمة لاختيار المسئولين ويحاسب من يسيء الاختيار لأنه يدمر فرصة أو فرصا للإصلاح يدفع الشعب ثمنها من عمره وقوته وأمنه واستقراره.
الغريب أنه بعد أن يخرج المسئول من منصبه يتحول إلي منظر ومصلح ولا يتذكر أنه لم ينفذ شيئا من نظرياته وحكمه عندما كان يشغل المنصب.
في مقاله المنشور بصحيفة "المصري اليوم" تساءل الدكتور أحمد جلال وزير المالية الأسبق عن أسرار تأخر مصر في احتلال مكانة أكثر تقدما مما هي عليه الآن رغم أنها مؤهلة لذلك بحكم تاريخها وموقعها ومواردها البشرية.. ويجيب علي سؤاله بأن طبيعة النظام السياسي هي "مربط الفرس" وليست الثقافة الموروثة أو الموقع الجغرافي.. أو السياسات الاقتصادية الرشيدة.. وأن ما يفصل بين النجاح والفشل يكمن بشكل أساسي في درجة ما يوفره النظام السياسي لمواطنيه من حرية في الابداع والانتاج والقدرة علي المنافسة دون محاباة في إطار من المشاركة السياسية الفعالة والمساءلة عن النتائج.
حسنا.. لماذا لا يتذكر المسئولون هذه الحقيقة الجلية إلا بعد أن يغادروا مناصبهم؟.. لماذا لا تأتي الشجاعة لوزرائنا إلا بعد أن يتركوا مواقعهم بينما يجعل معظمهم جل همه إرضاء القيادة السياسية والكذب علي الشعب وتضليله أثناء المنصب.
ولا أحد يتعلم الدرس..
انظر إلي ما يقوله رئيس الوزراء ووزراء التموين والاقتصاد والزراعة والمالية والتخطيط والتضامن الاجتماعي علي مدي الأشهر الماضية.. فهم يتحدثون عن اجراءات الحكومة لخفض الأسعار وتوفير السلع الاساسية وضبط الأسواق.. وقد صرح أحدهم قبل شم النسيم بأن سمك البلطي سيباع في المجمعات الاستهلاكية بخمسة جنيهات!!
والشعب لا ينسي الزفة التي جاء بها وزير التموين إلي منصبه للسيطرة علي الأسعار ولا تصريح الدجاجة التي سيصل سعرها إلي 50 قرشا.. أو تصريح العودة بسعر الدولار إلي أربعة جنيهات.. فلما تبين لصاحب التصريح فجاجته جاء رده مستهترا: "كنت بهزر".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف