المساء
محمد جبريل
هدي حزينة .. بعيداً عن شياطين الانس
إذا كان نبأ وفاة فاتن ابنة نجيب محفوظ مفاجئاً للكثيرين. فإن زواج محفوظ كان - إلي السنوات الأولي من عمر أم كلثوم وفاطمة "فاتن وهدي" مفاجأة كذلك.
ظلت حياة نجيب محفوظ سره الشخصي. لا يعرف أحد ظروفه الأسرية ولا العائلية. حتي البيت رقم 10 شارع رضوان شكري بالعباسية الذي انتقل منه - بعد الزواج - إلي شارع النيل. حرص ان يستمر عنواناً له. فرأته أوائل الستينيات - أثناء ترددي في بدايات حياتي الصحفية - علي المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. لم أكن أعرف أن صلة محفوظ بالبيت هي التردد عليه مرة كل خميس. يزور آخر إخوته الأحياء آنذاك. ثم يتجه إلي قهوة عرابي. يجالس أصدقاء الشباب.
أذكر سؤالاً من توفيق الحكيم لمحفوظ: لماذا لا تتزوج؟. اكتفي محفوظ - كما أشارت مجلة أسبوعية- بابتسامة هادئة. ولم يجب. وعندما احتفلت حياتنا الثقافية بعيد الميلاد الخمسين لنجيب محفوظ. قال الرجل - في حوار مع رجاء النقاش - إنه متزوج. وله ابنتان. أم كلثوم وفاطمة. ومثل الخبر مفاجأة للكثيرين. حتي هؤلاء الذين تصوروا في اقترابهم منه ما يتيح معرفة أحواله الشخصية.
ظني أن تلك الظروف وجدت انعكاساً لها في شخصية عمر الحمزاوي "الشحاذ" الذي أنجب ابنتين في سن متقدمة. وحاول - والتعبير للفنان - أن يؤمن حياتهما بتأمينات شتي.
ظل محفوظ متكتماً حياته الأسرية. عنوان بيته هو القديم في العباسية. وصلته بالأصدقاء وفق برنامج لا يجاوزه في قهوة عرابي وكازينو أوبرا وريش وبترو بالإسكندرية وأمكنة أخري عامة.
مثلت جائزة نوبل تحولاً أشبه بالانقلاب في حياة محفوظ. صار بيته - والتعبير له - شوارع يسير فيها من لم يروا البيت من قبل. أجريت اللقاءات. والتقطت الصور والأفلام التسجيلية. وأعلن الرجل المجامل أنه لم يعد يملك التصرف في حياته. وأنه صار موظفاً عند نوبل!
أذن محفوظ للسيدة حرمه بالمشاركة في العديد من المناسبات الاجتماعية. لكنه عزل الابنتين - أو أنهما انعزلتا - عن حياته العامة. فلم نقرأ عن أي منهما أخباراً خاصة أو عامة. وإن ظهرتها - للمرة الأولي والأخيرة - في مناسبة مهمة. حين تسلمتا براءة جائزة نوبل من ملك السويد. بما فوت الفرصة علي شياطين الانس الذين أردوا جعل فوز محفوظ بالجائزة العالمية انطلاقة مولد. ينسبون فيه إلي أنفسهم صفة الورثة الشرعيين. هكذا سموا أنفسهم. وفرضوا وصاية غريبة علي كل ما يتعلق بحياة محفوظ. حتي دبة النملة في بيت محفوظ ادعوا إنها لم تغب عن ملاحظاتهم.
فوجيء الكثيرون برحيل فاتن. عرفنا من القليل المتاح انها توفيت اثر معاناة مرضية. وإن هدي أصرت ان تشيع شقيقتها في غيبة من فضول شياطين الانس. وادعاءاتهم السخيفة.
أتفهم تصرف هدي بأن يظل الحداد في نفسها. في البيت الصغير. لا يختطفه شياطين الأنس. كما اختطفوا وقت الراحل العظيم. ونغصوا عليه حياته!
رحم الله فاتن نجيب محفوظ. وألهم هدي صبراً جميلاً!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف