الوطن
وفاء صتدى
قوة مصر الناعمة
في ليلة اهتز فيها مسرح محمد الخامس، واهتزت معه قلوب مئات المدعوين، وتمايلت أرواحهم مع أمواج موسيقى الأسطورة "عمر خيرت"، الذي أحيا، لأول مرة في المغرب، حفلا تاريخيا حلقت فيه موسيقى خيرت بكل الحاضرين إلى عالم من السحر، لايزال تأثيره عالقا في وجدان كل من أسعفه الحظ وحضر هذه الاحتفالية التي نظمتها سفارة جمهورية مصر بالرباط في إطار فعالياتها لهذه السنة التي تصادف الاحتفال بالذكرى الستين لإنشاء العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.

ولأن ما يجمع بين مصر والمغرب هو أساسا محبة فطرية متبادلة، وروابط ثقافية وروحية متجذرة عبر التاريخ ومراحله المختلفة، فقد اختار سفير مصر بالرباط، الدكتور أحمد إيهاب جمال الدين، أن يحتفي في هذه المناسبة بما يجمع بين البلدين عبر بوابة الثقافة، متخذا كشعار لهذه السنة "معا نعمر جسور التواصل".

ولا شك أن هذا الاختيار لم يكن اعتباطيا، بل أن سعادة سفير مصر اختار أكثر طريق تقرب بين الشعوب وتزيل عنها كل الشوائب، وهي طريق الموسيقى والآداب والفنون بكل أنواعها.

اختار سفير مصر في المغرب جسر الفن والثقافة للاحتفال بستين عاما على إنشاء العلاقات الديبلوماسية بين مصر والمغرب، فكان المغرب ضيف شرف لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورة هذه السنة، وتم الاحتفاء بأسبوع السينما المغربية في مصر في فبراير الماضي، ثم تكريم الكاتب والروائي الكبير "جمال الغيطاني" في جامعة محمد الخامس بالرباط، لتأتي بعد ذلك سهرة الطرب الأصيل التي أعادت الجمهور إلى الزمن الجميل من خلال أصوات غادة رجب وكريمة الصقلي وفؤاد زبادي وغيرهم، وأخيرا وليس آخرا حفلة الموسيقار العالمي عمر خيرت التي اخذت الجمهور إلى عوالم من الجمال، علما بأن سلسلة الاحتفالات لاتزال مستمرة وعلى طول هذه السنة لتشمل المسرح والسينما ولقاء المثقفين من البلدين.

نجح السفير جمال الدين في اختيار القوة الناعمة لتعزيز أطر التواصل بين المغرب ومصر، وتكريس مسار التقارب الانساني بين شعبي البلدين. وهي القوة التي طالما استثمرتها مصر في ترسيخ احترام ومحبة الشعوب الأخرى في محيطها الإقليمي والعربي، فكانت مصر في فترة "الزمن الجميل"، تدخل كل بيت عربي دون استئذان، عبر روايات طه حسين ونجيب محفوظ والعقاد، وأفلام اسماعيل ياسين وفاتن حمامة والزعيم عادل إمام، وأغاني أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب، ما ساعدها على ترسيخ مكانتها عربيا وعالميا، وتعزيز علاقات دائمة مع الشعوب على المستوى الثقافي والاقتصادي والسياحي، فكان السفر إلى مصر حلم يراود كل مواطن عربي افتتن بمصر من خلال قواها الناعمة.

وتعزز هذا الدور في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، حيث حصلت مصر على مكانتها الرائدة عبر القوة الناعمة، فكانت الثقافة هي سفير مصر في الخارج، ما فتح أمامها الكثير من الآفاق في مختلف أنحاء العالم.

وإلى اليوم مصر لاتزال تمتلك الكثير من مقومات القوة الناعمة، وعلى رأسها الحضارة التي لا تزال أحد أسرار هذا الكون، والدراما والأدب، والسينما، إضافة إلى الأزهر الشريف، والكنيسة الأرثوذكسية، والتي يجب فقط تلميعها وإعادة استثمارها.وفي سياستها الخارجية، اعتمدت مصر على القوة الناعمة، فتابعناها وهي تنظم زيارات عمل أو سياحة لوفود من دول عديدة، ما ساهم في تعزيز العلاقات بين مصر وباقي الدول العربية والغربية، وساهم في إذابة أي خلافات سياسية، وهي القوة التي يجب إعادة الاستثمار فيها وإحيائها بما يليق بها وبما يليق بمصر، لتعود المحروسة الى ثوبها وطبيعتها، أولا، وإلى دورها الريادي، ثانيا.

مصر تحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى قوتها الناعمة، التي اخترقت، في وقت ما، كل الحدود وقربت المسافات وضمنت تواجد مصر داخل كل بيت عربي. جعلتنا ونحن في أقصى الغرب نتنفس موسيقى الشرق التي لا تزال تسكن فينا، حيث لا يخلو، وإلى اليوم، سوق شعبي مغربي من ألحان محمد عبد الوهاب وصوت العندليب وأم كلثوم، وجعلتنا نتابع أعمال فاتن حمامة وشادية، ونضحك مع ابتسامة إسماعيل ياسين ونتأثر بوطنية رأفت الهجان.

قوة ناعمة جعلت حواري مصر في مخيلة الشعوب العربية، وأخبارها على لسان الجميع لما كانت ماسبيرو قبلة الجمهور العربي.

كان للقوة الناعمة دور كبير في التقارب بين مصر وباقي الشعوب، واليوم مصر في حاجة إلى استعادة هذا الوهج وإحياء هذا الدور الذي مكن مصر في وقت ما من تبوأ الصدارة عربيا، من خلال، أولا، أن يعود الفن والإعلام إلى سابق عهدهما، ويعود للقوة الناعمة دورها في التقريب بين الشعوب، من خلال هذا الحراك الثقافي الذي دشنه سفير مصر في المغرب، الذي يجب أن يقتدى به، والذي بالتأكيد سيكون انطلاقة جديدة وجيدة للعلاقات بين البلدين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف