الجمهورية
على هاشم
أزمتنا.. حكومة منعزلة وشعب لا يعمل!
حين يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون للبرلمان يفترض أن يأخذ حقه في المناقشة حتي يحظي بأدني درجات التوافق بين الوزراء أما أن يحدث ما حدث من مهزلة بين الوزراء بعضهم البعض عند مناقشة قانون الاستثمار تحت قبة مجلس النواب فليس لذلك سوي معني واحد هو أن الحكومة غارقة في الجزر المنعزلة وتضارب المصالح حتي أن المسئولية السياسية باتت شبه غائبة وهي مسئولية يفترض أنها تضامنية بين الوزراء جميعاً ,فلا يهدم أحدهم ما يتبناه زميله من أفكار ومقترحات لأجل الاستئثار بصلاحيات أو مناطق نفوذ لوزارته ولو علي حساب الوطن وهذا أمر مرفوض تماماً في وطن تشتد حاجته إلي كل دولار يأتي به الاستثمار الأجنبي وكل جنيه يضخه الاستثمار المحلي في شرايين الاقتصاد المنهك وهي رسالة سلبية للمستثمرين في الداخل والخارج.
صراع عدد من الوزراء فيما يخص مسألة الاستثمار وقانونه يضع الحكومة في دائرة الاتهام بتطفيش الاستثمار وعرقلته حتي قبل دخول القانون الجديد حيز النفاذ فما بالنا إذا خرج بالفعل إلي النور وجري تطبيق مواده علي أرض الواقع وهو ما لفت إليه النظر د.علي عبدالعال رئيس البرلمان خلال المناقشة .. ثم نفي رئيس الوزراء وقوع أي خلاف بشأنه بعد ذلك.
ما يدهشنا ويؤلمنا حقا أن مصر الدولة انتظرت ولادة قانون الاستثمار منذ أكثر من 3 سنوات حتي ينقذها من حالة البيروقراطية العقيمة والجمود القاتل لنجاح أي استثمار ثم فوجئت بولادة هذا القانون متعسرا بسبب هشاشة أداء الوزراء وغياب الرؤية عنهم . فهؤلاء بعيدون كل البعد عن مصالح البلاد والمواطنين تماماً كبعدهم عن الإحساس بهموم الناس ومشكلاتهم.. فلا يزال بين الطرفين فجوة عميقة.
ما حدث في مناقشة قانون الاستثمار يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة خطأ لا تخطئه عين في أداء الحكومة ونظرتها للأولوية الوطنية الواجبة وأنه يتعين إعادة النظر فيها . فالحس السياسي غائب وكذلك الكفاءة والنجاح في إدارة ملفات مهمة تعثرت فيها حكومات سابقة . كالصحة والتعليم والاستثمار وزيادة الإنتاج وتوفير فرص عمل منتجة لملايين العاطلين ووقف النزيف الاقتصادي و ضعف الاحتياطي الأجنبي وكثرة الديون الداخلية والخارجية وغيرها من الأزمات المزمنة.
لقد ارتفع سقف مطالب الشعب وطموحاته بعد ثورتين متتاليتين حتي خيل إليه أن الأحلام والأماني يمكن تحقيقها بضغطة زر دون بذل أي جهد أو أداء الواجب المطلوب بالكفاح والعرق والدموع لتعويض ما ضاع في سنوات ما بعد يناير التي داهمتنا فيها الفوضي والانفلات والإرهاب.
ورغم الظروف القاسية التي تحتاج لحكومة حرب فلا يمكن لأي منصف حين يشرع في تقييم أحوالنا الاقتصادية وأسباب تدهورها إلا أن يعترف بضعف حكوماتنا المتعاقبة وهو ضعف لا نبرئ منه حكومة شريف إسماعيل ناهيك عن تواكل الشعب وانتظاره تغيير الأحوال والظروف دون أن يبذل كل فرد فيه ما عليه من واجب عملاً بقول ربنا عز وجل: "ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" فقد انتهي زمن المعجزات ومن ثم فلا مجال من التقدم خطوة واحدة للأمام بينما عشرات المصانع لاتزال مغلقة ومعدلات البطالة تتجاوز 13% والتضخيم 30% وغلاء الأسعار لا يهدأ وهي التداعيات التي نتج بعضها عن القرارات الاقتصادية الصعبة كتعويم الجنيه وتحريك أسعار الوقود وغيرها وهي قرارات لم يصاحبها أو يعقبها إجراءات حمائية تحافظ علي الطبقات الأضعف اقتصاديًا دون أن نلقي بها في أتون الجوع والعوز والفقر.
غياب المعايير المنضبطة في اختيار المسئولين آفة ابتليت بها مصر ولاتزال فلا أحزاب سياسية ـ وما أكثرها علي الورق ـ قادرة علي تربية الكوادر السياسية والدفع بها لمراكز القيادة وهو الغياب الذي يحدونا أمل عريض أن يعوضه البرنامج الرئاسي بتخريج كوادر شابة لصدارة المشهد .ولا نخبة تتبني قضايا المواطن وشواغله . ولا كفاءات يجري الاستفادة بها علي النحو الأكمل والمثال الأبرز علي ذلك د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة الذي تسلم الجامعة مدينة منذ أربع سنوات وها هو يوشك أن يغادرها وهي رابحة 3 مليارات جنيه رغم أن الربح ليس هدفًا شُيدت لأجله الجامعات فقد نجح د.نصار فيما فشلت فيه وزارات إنتاجية بالأساس كالصناعة والسياحة والبترول بل إنها صارت عبئًا علي الموازنة العامة بديونها ومصروفاتها.. الأدهي أن حكومة شريف إسماعيل لا تزال تتعامل مع الأزمات والمشكلات باستسهال وأريحية عجيبين كما لو كنا في دولة غنية حققت اكتفاء ذاتيا وفوائض اقتصادية ضخمة وليست دولة تهددها الديون وترهقها زيادة النفقات وقلة الموارد.. ولا أفلحت الحكومة في كبح جماح الدولار المجنون ولا تهدئة الأسعار الملتهبة ولا كافحت الاحتكار والجشع والغش في الأسواق.. وأياً ما تكن ظروف تلك الحكومة فقد انتظرنا منها علاج الملفات اليومية للمواطن وتخفيف معاناته ليشعر بوجودها في حياته ويري بأم عينيه إنجازاتها واقعا يعيشه وليس وعودا زائفة أو أماني خادعة أو عبارات إنشائية جوفاء.. يلمس إجراءات اقتصادية قادرة علي ضبط السوق من المنبع وحماية الفقراء من تغول التجار واستئصال شأفة الفساد والإرهاب فكلاهما صنو للآخر يوفر بيئة خصبة لنموه وتوحشه!!
لا يكاد اجتماع يمر بين الرئيس والوزراء إلا ويطالب السيسي بضبط السوق وحماية محدودي الدخل وتوفير السلع بأسعار في متناول الناس دون مغالاة لكن يبدو أن الحكومة مشغولة بخلافاتها وانقسامها علي كعكة الاستثمار رغم أننا كنا ننتظر أن يخرج علينا رئيس الحكومة بعد طول انتظار بآليات جديدة تطمئن المستثمرين وتجذب رأس المال الجبان عبر بيئة محفزة للعمل والاستثمار فلا استقرار بلا تنمية حقيقية . ولا تنمية بلا زيادة في الإنتاج والتصدير والتصنيع والزراعة ولا جدوي من كل ذلك إذا لم تتحقق العدالة الاجتماعية وتجد طريقها لواقع الناس وذلك بلا شك هدف أساسي لأي حكومة تريد النجاح وهو نجاح يبدأ بتوفير حماية حقيقية للفئات المهمشة وذوي الاحتياجات الخاصة ورفع مستوي الخدمات وضمان وصول الدعم لمستحقيه والانتقال من مفهوم دولة الحماية إلي دولة الرعاية والتنمية والرفاه وهو ما لن يجد سبيله إلي التحقق إلا إذا اقتحمنا المشكلات المزمنة ومددنا يد الرعاية إلي القري والمناطق الأكثر احتياجًا كما يطالب الرئيس السيسي باستمرار ويمكن لوزارة التضامن الاجتماعي أن تتحمل دفع الاشتراكات في التأمين الصحي مثلاً عن غير القادرين كما ينبغي وضع منظومة تضمن وصول الدعم لمستحقيه.
الرئيس السيسي عودنا الحديث بلغة سهلة يفهمها الناس ويتجاوبون معها وهو ما لم نجده عند رئيس الوزراء ولا أعضاء الحكومة فعندما يخرج واحد منهم مخاطبا الرأي العام فلا يحدث التأثير المطلوب في المواطنين لأنه يحدثهم بلغة لا يفهمونها يخاطبهم وكأنهم متخصصون في الاقتصاد وعليمون بفنون الإدارة والاستثمار .
المواطن لا يهمه من كل ما يجري حوله سوي العيش بطريقة آدمية يحصل علي احتياجاته اليومية ويقضي مصالحه بسهولة ويسر ويلقي معاملة حسنة ولا يطلب الناس اليوم أكثر من عودة الأسعار والخدمات ومستويات المعيشة إلي ما كانت عليه حتي زمن قريب.. لا يشغلهم صخب السياسة ولا جدل النخبة هم فقط يطلبون أن تتناسب الدخول مع متطلبات الحياة أن يحصل أولادهم علي تعليم مناسب وخدمات صحية شافية وغذاء آمن بأسعار مقبولة يريدون تعليما يحافظ علي عقل هذا الشعب وتاريخه وتراثه ومستقبله وأن يتخرج في جامعاتنا مرة أخري علماء وأدباء ومبدعون قادرون علي استعادة الحضارة ودورة التقدم وأن تعود مدارسنا وجامعاتنا دور علم وتربية وأخلاق تعيد للمجتمع توازنه وسلامه .وأن يعود إنتاجنا إلي سابق عهده في المنسوجات والسكر والأدوية والمحاصيل الزراعية . فنجد طعامنا من إنتاج يدنا وملبوساتنا من إنتاج مصانعنا . وأن يتخرج أبناؤنا فيجدوا فرص عمل مناسبة في سوق قادرة علي المنافسة وتحقيق القيمة المضافة أن يصبح أبناء الفلاحين والعمال مستشارين بلا واسطة أو ضباط شرطة بلا محسوبية أو أطباء بلا تزوير في نتائج الامتحانات أن تتخلص الدولة من الروتين وطول الإجراءات فلا يذوق المواطن العذاب ألوانا في الأجهزة الحكومية إذا أراد قضاء مصالحه وأن يجد المستثمر سهولة ويسر في الحصول علي التراخيص اللازمة لمشروعه دون تعقيدات أو رشاوي.
باختصار.. القائد الإداري الكفء صار مطلبًا مهمًا لكل موقع قائد إداري يجيد المشاركة والتواصل والإنجاز ملما بفنون العلم الحديث الذي يقضي بضرورة الاختيار الصحيح للقيادات .. وهو مبدأ نفتقده كثيرًا في حياتنا وهو ما دعا الرئيس السيسي للقول: ان هناك شروخا في كل مؤسسات الدولة.
مطلوب الاحتكام إلي العلم في الإدارة واختيار الأكفاء ذوي الأمانة والنزاهة والحيوية الفكرية والعقلية والحماسة الوطنية لتحويل الإخفاق إلي نجاح مؤكد في كل شركة أو قطاع أو وزارة.. القرار السليم تلزمه معلومات وبدائل سليمة وقد كان مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء يقوم بهذا الدور قبل أن ينزوي ويقتصر دوره علي رصد الشائعات والرد عليها.. آن الأوان للاهتمام بالتدريب والتقييم المستمر للأداء في مؤسساتنا وأجهزتنا الحكومية ان أردنا خروجًا من هذا النفق أو علاجا لهذا الجهاز الإداري المترهل.. الإدارة علم وفن له أصوله ولا مفر من الاحتكام للعلم فيه وحده تتقدم الأمم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف