المصريون
ياسر انور
علاقة إسحاق نيوتن بالتوحيد!
في ظل موجة الإلحاد العلمي التي يروج لها بعض العلماء الغربيين من أمثال(سام هاريس Sam Harris –( ،كاتب ومفكر وعالم أعصاب أمريكى، و(ريتشارد دوكنز) - Richard Dawkins - ،بيولوجى بريطانى، (كريستوفر هتشنز) Christopher Hitchens - كاتب وصحفى إنجليزى أمريكى، و(دانيل دينيت) Daniel Dennett وهو فيلسوف أمريكى له دراسات وأبحاث فى فلسفة العقل وفلسفة العلوم. لقد شكل هؤلاء وغيرهم مذهبا إلحاديا جديدا، يطلق عليه الآن الإلحاد الجديد أو new atheism. و هم يروجون لفكرة التعارض بين العلم و الدين ، لكن في حقيقة الأمر فإن الدين الصحيح لا يتعارض مع العلم ، لكن التعارض هو بين الأساطير الدينية و العلم . ويبدو أن هناك استحسانا أو توجها وتوجيها إعلاميا للإلقاء الضوء على تجارب إلحادية ، (أشعر أن بعضها مصطنع و يتم بالاتفاق بين الضيف و فريق الإعداد) ، من أجل توصيل رسائل معينة وخصوصا للشباب ، و التركيز على قضايا الجنس و التحرر و الانفلات . لكن هناك قضايا مهمة يتجاهلها الإعلام عن عمد ،و منها قضية علاقة بعض العلماء الكبار بالدين ، ومدى تمسكهم به وبحثهم فيه و إيمانهم بالخالق العظيم . ومن هؤلاء العلماء ، أشهر و أعظم عالم عرفته البشرية ،«إسحاق نيوتن» واضع علم التفاضل والتكامل ، وصاحب نظرية الجاذبية وقوانين الحركة الشهيرة، وهى القوانين التى غيرت العالم، حتى إن الأقمار الصناعية التى تدور حول الأرض، والمركبات الفضائية التى تغزو بعض الكواكب ما زالت تنطلق وفق قوانين «نيوتن».
لقد كان "لنيوتن" أعظم أثر علمى فى البشرية ما جعل «مايكل هارت» مؤلف كتاب الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، أو The 100: A Ranking of the Most Influential Persons in History
يضعه فى المرتبة الثانية مباشرة بعد النبى وقبل المسيح عليه السلام! وقد بلغ الإعجاب بنيوتن أن كتب الشاعر الإنجليزى «ألكسندر بوب» هذا المقطع الشعرى الرائع عن نيوتن: "Nature and nature"s laws lay hid in the night. God said، Let Newton be and all was light
الطبيعة وقوانينها كانت مختبئة ليلا، فقال (الله) ليكن نيوتن، فأضاء كل شىء.
وإذا كان لنيوتن هذا الأثر العلمى الفذ على العلم والعالم، فإن دوره (الدينى) أيضا كان بارزا، بل إن "نيوتن" كتب فى القضايا الدينية أكثر بكثير مما كتبه فى القضايا العلمية .وكانت كتاباته الدينية تدور حول قضيتين أساسيتين: التوحيد، وتفسير النبوءات، وخاصة الموجودة فى سفر دانيال. لم يقتنع نيوتن بالعقائد التقليدية في أوربا واعتبرها نوعا من الأساطير .، بل واعتبر أن ثمة فقرات مقحمة على النصوص الأصلية، وقد جاء فى موسوعة المعارف البريطانية ما يلى:
In the early 1690s he had sent Locke a copy of a manuscript attempting to prove that Trinitarian passages in the Bible were later day corruptions of the original text
When Locke made moves to publish it، Newton withdrew in fear that his anti-Trinitarian views would become known
فى أوائل عام 1690، أرسل «نيوتن» إلى «جون لوك»(المتأثر بالكتابات العربية و الإسلامية) نسخة من مخطوط يحاول فيه أن يثبت أن بعض فقرات الكتاب المقدس كانت تحريفات متأخرة أضيفت للنص الأصلى. وعندما بدا «لوك» فى التحرك لكى ينشر ذلك، تراجع "نيوتن" خشية أن تنكشف آراؤه. ومن أقوال "نيوتن" عن الله سبحانه و تعلى :
He is eternal infinite omnipotent and omniscient .
إنه هو الأبدى السرمدى القدير العليم
حتى وهو يتحدث عن الجاذبية وقوانينها، أصر نيوتن على أن حركة الكواكب حول الشمس لم تكن لتحدث لولا المشيئة الإلهية. لقد توصل نيوتن إلى وحدانية الله من خلال خلق هذا الكون ونظامه الشمسى، وهى الطريقة التى يستخدمها القرآن دائما لإثبات أهم قضيتين على مر التاريخ وهما: وجود الله، ووحدانيته،ما دفع المؤلفة
الشهيرة «كارين أرمسترونج» أن تقول فى كتابها :
History of God أو، «تاريخ الله» ص 133:When people deny the existence of God today they are often rejecting the God of Newton، the origin and Sustainer of the universe P 133:
إن الناس عندما ينكرون وجود الله فى هذه الأيام، فإنما يرفضون غالبا إله "نيوتن" خالق ومدبر هذا الكون. وتضيف «أرمسترونج» فى الكتاب نفسه
Like Descartes، Newton had no time for mystery، which he equated with ignorance and superstition.
ومثل ديكارت، فإن" نيوتن" لم يكن لديه وقت للألغاز التى اعتبرها مساوية للجهل والخرافة.. لقد كان مشغوفا بتنقية الأديان من الأساطير ولو أدى ذلك إلى تصادمه مع المسائل العقدية الحاسمة. وفى أثناء عام 1675، بدأ سلسلة من الدراسات العقدية توصل من خلالها إلى نتائج تتفق مع القرآن و خصوصا ما يتعلق بقضية التوحيد.
والعجيب أن "نيوتن" لم يكن وحده هو من يؤمن بالتوحيد فى عصره؛ فقد كان معه رائد التنوير فى أوروبا «جون لوك» وغيرهما، كما كان هناك قبلهم طائفة ممن تمردوا على التعاليم التقليدية، وحاولوا القيام بحركات إصلاحية داعية إلى عقيدة التوحيد، ما أدى إلى تكوين منظمات فى كثير من دول أوروبا وأمريكا وكندا، وهم يعرفون الآن باسم (الموحدون ) Unitarians ، ومنهم كثير من المشاهير
لقد كان "نيوتن" نموذجا للعالم الحقيقى العبقرى المتصالح مع ذاته؛ فلم يكن يخجل من أن يبدو بمظهر المتدين حتى وهو يصوغ أعظم قوانين عرفتها البشرية، فقد كان ينسب كل شىء إلى الخالق العظيم، ليس هذا فحسب، بل كان مؤمنا بيوم القيامة لدرجة أنه كان مشغولا بالنبوءات وبوقت نهاية العالم حتى قدم توقعه بأن ذلك لا يمكن أن يكون قبل عام 2060. وبغض النظر عن السبب وراء تأثر" نيوتن" بعقيدة التوحيد هل هو إطلاع" نيوتن" على ترجمات القرآن، أم فطرته وعبقريته العلمية، أم تأثره بأريوس والآريوسيين (الموحدون المسيحيون)، فإن الحقيقة التى لا تقبل الجدل هى أنه لا تعارض بين صحيح الدين وصحيح العلم، وأن موجة الإلحاد الحالية لا يمكن أن تكون بديلا للتوحيد، بل هى موجة ضد الأساطير، وأن الفرصة الآن سانحة كما لم يحدث من قبل أمام العالم الإسلامى لإقامة حوار علمى وعقلى مع العالم الغربى الذى أصبح مهيئا لقبول عقيدة التوحيد رغم أنف الملاحدة .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف