أنظر إلي أطفال هذه الأيام بعين الشفقة والاستغراب. أي حياة يحياها هؤلاء الصغار؟! أين وسائل المتعة والترفيه والتعليم التي بين أيديهم؟! كل الأشياء والظروف والأدوات التي تربيت عليها وجيلي في فترتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي تلاشت شيئاً فشيئاً حتي اختفت من حياتنا تماماً. وحل محلها كوارث بيئية وأخلاقية وإعلامية يتربي عليها أبناؤنا الآن!
راح فين زمن البراءة يا حسين؟!
أتذكر وعمري 9 سنوات عندما كان ينقطع التيار الكهربائي في شارعنا بمنطقة شبرا الخيمة. تجد صياحاً يدوي في كل البيوت. وفي لمح البصر تجد كل الأطفال في الشارع!
عد معي كم الألعاب التي كنا نمارسها علي ضوء القمر: "السبع بلطات. كهربا. عَمر طير واقفش. استغماية. علي العالي. والواطي. شد الحبل. عسكر وحرامية.. وغيرها الكثير". لا فارق بين صبيان وبنات. الكل اخوات ويلعبون نفس الألعاب. فاصل من المتعة والمرح وضحكات من القلب.
مع اقتراب شهر رمضان. يجمعنا الشارع أيضا. نلف علي البيوت. شوية دقيق من هنا. وورق جرايد من هناك. شوية نشَا. كام بكرة خيط. ورق ملون. أو ربع جنيه. ونصنع زينة رمضان. ونعلق فانوساً بين كل بيتين متقابلين.
أمام التليفزيون تجمعنا برامج واحدة علي قناة واحدة في نفس التوقيت. ماما نجوي. ماما سامية. ماما فاطمة. كلهن ماما. وبابا ماجد واحد!
راح فين زمن الشقاوة يا حسين؟!
في فترة المراهقة. كنا محظوظين أننا من الجيل الذي استمع إلي الألبومات ذات الـ 12 أغنية. 6 علي كل وجه في الشريط. نستمع إلي نفس الأغاني في نفس الوقت. ألبومات محمد محيي وإيهاب تويق وعمرو دياب وخالد عجاج وكاظم الساهر ومحمد فؤاد وهشام عباس كلها بنار الفرن. نستمع إلي نفس الأغاني وممكن نحب نفس البنت!
نسيت أقول لك علي الاختراع الذي قلب التسعينيات. "التسجيل أبو بابين" الذي كان يعمل عمل "الداونلود" هذه الأيام!
راح فين زمن البراءة يا حسين؟!
عيني علي أطفال هذا "العصر الديجتال"! أسري ومعتقلون أمام شاشات التاب والمحمول. الأخ يلتقي أخيه صدفة عندما ينفد شحن بطارية أحدهم!
الأسوأ من ذلك. أنه حتي الأسر التي تهتم بممارسة أطفالهم لألعاب رياضية في أرقي النوادي. يمارس الأطفال الألعاب. القدم. السباحة. الاسكواش. التنس. السلة وغيرها بدون متعة. يمارسونها تحت أيدي مدربين يشخطون وينظرون تماماً مثل المعلمين في الفصول!
حتي مطر وهذه الأيام اكتفوا بأغنية واحدة ليس في الألبوم الواحد. ولكن في السنة الواحدة أو كل سنتين ثلاثة. ناهيك عن أن الأغنية نفسها أصبحت "مطلعاً وكوبليه واحد" وأحياناً تكون "دويتو" كمان!
ما أدهشني حقاً أنه عندما سأل الفنان مصطفي فهمي "راح فين زمن الشقاوة يا حسين؟" رد عليه أخاه الفنان حسين فهمي "يا درش عاش من سمع صوتك.. والله واحشنا يا غالي".. يعني أنه لم يجب عن السؤال!