منذ أسابيع قليلة احتفلت إثيوبيا بمرور 6 سنوات علي بدء بناء سد النهضة.. وبهذه المناسبة فاجأتنا بالإعلان عن تعديل في المواصفات الإنشائية للسد بهدف زيادة معدلات توليد الطاقة الكهربائية عن المعدلات المعلنة من قبل دون إبلاغ مصر والسودان.. وبمقتضي هذا التعديل سيتم زيادة التوربينات من 14 إلي 16 توربينا حتي تزداد القدرات الإنتاجية للكهرباء من 6000 ميجاوات إلي 6450 ميجاوات.
وفي مفاجأة تالية أعلنت إثيوبيا أنها أنجزت أكثر من 60% من إنشاءات السد بينما مازال المكتبان الاستشاريان الفرنسيان يعدان دراساتهما المبدئية عن تأثير السد علي مصر والسودان.. الأمر الذي يعني ـ بكل صراحة ـ أن هذه الدراسات صارت بلا معني.. وأن أي تعديلات إنشائية تطلبها الدولتان أو أي منهما لن يتيسر تنفيذها.. وستفرض إثيوبيا الأمر الواقع.
ولمزيد من التضليل والتشتيت فاجأنا مسئول إثيوبي أن هناك اتفاقاً وشيكاً لبيع جزء من كهرباء سد النهضة لمصر.. وهو ما يعني استسلام مصر للأمر الواقع والتطبيع معه.. وهي خطة التفافية صهيونية معروفة للتسويق والترويج.. فإذا كانت مصر ستشتري كهرباء السد إذن لم تعد هناك مشكلة.. والباب صار مفتوحاً لكل الدول العربية والإسلامية والإفريقية لتشتري الكهرباء دون أي حساسيات.. لكن مصر سارعت بنفي هذا الكذب البواح.. معلنة أن لديها من الإنتاج الكهربائي ما يغطي حاجتها ويزيد.
والآن تبادرنا إثيوبيا بمفاجأة جديدة أعلنها هذه المرة المهندس وليد حقيقي المتحدث باسم وزارة الري الذي قال علي إحدي الفضائيات الخاصة إن أديس أبابا ستبدأ ملء خزان سد النهضة اعتباراً من يوليو القادم.. وذلك بالتزامن مع موسم فيضان النيل لاستغلال زيادة مياه الأمطار المتدفقة علي النهر.
وفي محاولة لطمأنة الشارع المصري أشار المتحدث باسم الري إلي أن الاتفاق الأدبي مع الجانب الإثيوبي والسوداني يلزمهما عدم المساس بحصة مصر.. وأن عملية الملء لن تمس حصة مصر حالياً لأن بناء السد نفسه لم يكتمل وأمامه عدة سنوات.. والذي يحدث هو مجرد ملء لبحيرة فرعية تعد بمثابة خزان سيمد السد بما يحتاجه من مياه بعد أن يكتمل.
الحقيقة أنني لم أفهم الجزء الأخير من كلام المتحدث باسم الري.. لكنني توقفت أمام حديثه عن "الاتفاق الأدبي مع الجانب الإثيوبي والسوداني الذي يلزمهما عدم المساس بحصة مصر" وأتساءل مخلصاً: منذ متي كان الاتفاق الأدبي بين الدول ملزماً.. خصوصاً إذا تصادم هذا الاتفاق الأدبي مع المصالح الاستراتيجية والتحالفات الإقليمية وما تعتبره إثيوبيا كرامة وطنية؟
لم يفعل الاتفاق الأدبي شيئاً طوال الفترة الماضية التي شهدت مماطلات وتمويهات مكشوفة من جانب إثيوبيا للتملص من أي تعهد بشأن عدم المساس بحصة مصر في مياه النيل أو التصرف بحسن نية مع المكاتب الاستشارية التي من المفترض أن تقوم بدراسة موضوعية لتأثير السد علي مصالحنا وأمننا وحصتنا.. لقد اجتهدت في تفريغ عمل هذه المكاتب من مضمونها مع الإسراع بعملية البناء وزيادة قدرات السد بشكل مستمر حتي نفاجأ بأننا أمام الأمر الواقع.. وهو نفس الأسلوب والمنهج الذي تتبعه إسرائيل في مفاوضاتها.
في 28 فبراير الماضي كتب د.مصطفي الفقي مقالاً بالأهرام تحت عنوان "المسكوت عنه في ملف سد النهضة" قال فيه إن ذلك السد الذي يحتجز خلفه 74 مليار متر مكعب خلفه يتجاوز بكثير الهدف المعلن لتوليد الطاقة أو حتي استزراع مناطق جديدة.. فالمقلق حقاً أن هذا السد له أهداف سياسية واقتصادية أخري.. فهو يؤدي إلي شراكة دول من خارج النيل في مياه النهر دون اكتراث بتأثير ذلك علي معدل تدفق المياه إلي مصر.
ولو صحت هذه المعلومة فإن الخطر محدق بنا لا محالة.. والمؤامرة واضحة المعالم.. ولا يصلح معها اتفاق أدبي وإنما وقفة قوية وحازمة مع الصديق الإثيوبي ومن يقف وراءه من أصدقائنا اللدودين.