بسيونى الحلوانى
ماذا قدم أثرياء مصر للفقراء ؟
قرأت قائمة طويلة بأثرياء مصر وحجم ما يمتلكون من أموال وشركات ومشروعات ودهشت أن يكون في بلادنا التي تعاني من مشكلات اقتصادية مزمنة تنعكس علي محدودي الدخل كل هذه الأموال وهذا العدد الكبير من المليارديرات الذين تتزايد وتنمو ثرواتهم كل عام ربما بشكل يفوق تنامي ثروات أقرانهم في مجتمعات أخري تعيش أوضاعا اقتصادية أفضل.. ثم ندعي أننا دولة فقيرة وأننا نضطر الي الاقتراض الخارجي من هنا وهناك لتلبية احتياجات الفقراء ومحدودي الدخل.
والواقع أن ثراء هؤلاء لا يثير غيرتنا ولا حقدنا عليهم فقد رضينا بالستر ولا يمر علينا يوم دون أن نشكر الله علي نعمه علينا والتي نراها كثيرة.. لكن هذا العدد الكبير من أثرياء مصر وحجم ما يمتلكون من أموال يفرض علينا سؤالا مهما وهو : ماذا قدم هؤلاء الأثرياء للفقراء وأصحاب الحاجات الملحة فيها من مرضي وطلاب علم فقراء وغارمين وغارمات والذين دفعت بهم الحاجة الي غياهب السجون أو الي مد أياديهم لمن يعطيهم ولمن ينهرهم من الناس.
لقد قدم مفتي مصر الأسبق د.نصر فريد واصل منذ سنوات دراسة أكد من خلالها أن زكاة أثرياء مصر تكفي حاجة فقرائها لا ليعيشوا حياة كريمة فقط ولكن ليتحولوا الي منتجين يقدمون الزكاة لغيرهم.. فهل استطعنا أن نوجد الآلية التي تلزم هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالخير الوفير ومعظمه من عرق وكفاح هذا الشعب بإخراج ما عليهم من زكوات مفروضة وتطبيق قول الحق سبحانه والذي جاء بصيغة الأمر المباشر : "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" وقوله في موضع آخر : "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم". ولذلك أكد فقهاء الإسلام قديما وحديثا أن مسألة الزكاة لا ينبغي أن تكون أمرا اختيارا.
في البلاد التي لا تدين بالإسلام ولا يوجد في عقائدها فرائض مالية مثل الزكاة نري عطاء خيريا مبهرا للأثرياء ورجال الأعمال ونري سباقا محموما لإنفاق الأموال بسخاء علي كل من يحتاج إليها ولذلك ينحسر الفقر ويعيش الفقراء حياة كريمة في هذه البلاد ويأخذ هؤلاء حقوقهم من أموال الأثرياء دون منّ أو أذي.
أما في مصر فالغالبية العظمي من أهل الثراء لا يقدمون للفقراء وأصحاب الحاجات إلا الفتات. وهنا لا ينبغي أن يتشدق أحد بمبررات ساذجة ويزعم أن العطاء الخيري لهؤلاء يتم في الخفاء ولا يدري به أحد. فغالبيتهم أنشأ جمعيات خيرية ويهتمون بالإعلان عن تبرعاتهم في كل وسائل الإعلام. بل يستغل بعضهم حالات إنسانية مؤثرة للإعلان عن أنفسهم وتحقيق مكاسب دعائية كاذبة.
المؤسف أن بعض رجال الأعمال الذين نهبوا خيرات هذا الوطن وحصلوا في عصور سابقة علي مساحات شاسعة من الأراضي ومعها بعض شركات القطاع العام بملاليم يمنون علينا بالضرائب التي يدفعونها لخزينة الدولة أن الجميع يؤكد أنها ضرائب هزيلة وأنها تمثل 25% مما يدفعه رجال الأعمال الأثرياء في مجتمعات أخري كثيرة. هي لا تتناسب مع حجم أموالهم ومكاسبهم السنوية والأغرب أنه يخصم منها ما يقدمونه من تبرعات أو يدفعونه للأعمال الخيرية!!
لقد أنشئت خلال السنوات الأخيرة العديد من الصناديق الخيرية التي ترعي الفقراء مثل صندوق تحيا مصر وبيت الزكاة المصري الذي يشرف عليه شيخ الأزهر ولو سألت عن حجم ما يقدمه الأثرياء ورجال الأعمال من مساهمات في الصندوقين علي سبيل المثال فسوف تتلقي إجابة صادمة تكشف عن جحود الأثرياء ورجال الأعمال الذين تتكاثر ثرواتهم بفضل فقراء مصر الذين يقبلون علي شراء منتجاتهم ويسهمون في تضخيم ثرواتهم.
بعض هؤلاء الأثرياء ابتلاهم الله بالجحود للوطن الذي صنعهم وأغدق عليهم من خيراته. وبعضهم يعيش في غفلة ولا ينشغل إلا بجمع المزيد من المال. والبعض يعيش حياته علي طريقته الخاصة وما فيها من سفه ويجهلون أنهم راحلون وأن متاع الدنيا زال ولن ينفعهم منه إلا ما يقدمون للفقراء وأصحاب الحاجات الحقيقية.
فهل يراجع هؤلاء الأثرياء مواقفهم ويتوبون عن رذيلة البخل علي الفقراء ويقدمون ما ينفعهم في يوم لا يفيد فيه مال ولا يشفع فيه ثراء؟ هل يصحح هؤلاء مواقفهم ونحن مقبلون علي شهر رمضان المبارك وهو شهر جود وكرم فيتضاعف عطاؤهم لفقراء مصر ليس من خلال مؤائد رحمن لا تخلو من النفاق الاجتماعي ولكن من خلال مساعدات حقيقية يخففون بها آنات المرضي ويطلقون بها سراح رجال ونساء دخلوا السجون بسبب عجزهم عن سداد ثمن ثلاجة أو غسالة لابنة تحتاج الي الزواج؟
لا تتنكروا - أيها الأثرياء - لما قدمه ويقدمه لكم الشعب المصري المطحون يوميا من عرقه وكفاحه. فهذا الشعب هو الذي يقبل علي منتجاتكم وهو سبب تضخم ثرواتكم. والأراضي التي أقمتم عليها مشروعاتكم العملاقة وحصلتم عليها بثمن بخس هي حق لهذا الشعب. والقصور الفاخرة التي تمتلكونها وتتنقلون بينها أقيمت علي الأرض التي كان ينبغي أن توزع بشكل عادل علي أبناء هذا الوطن.
فقراء مصر في أمس الحاجة الي أثرياء يشعرون بمعاناتهم يتسابقون في تخفيف معاناتهم دون نفاق اجتماعي ودون متاجرة بهم.