كان دائما كاتبنا الكبير أنيس منصور يكتب عن أن كبار الكتاب والمفكرين والآدباء كانت لهم ملاحظاتهم على الكتب التى قرأوها.. وكان لكل أديب وكاتب عدة مفكرات يكتب فيها أجمل العبارات التى أعجبته وأروع الاختيارات التى صادفته.. ثم يتحسر منصور ويقول يا ليتهم نشروا لنا هذه المفكرات وطبعوها.. لكى نتعلم وندرس ونرى ونعرف أى أبيات الشعر أجمل.. وأى العبارات أرق وأحسن.. وأى المواقف أكثر تأثيرًا.. ومنها نتعرف على ذائقة كل كاتب وأديب ومفكر.
قفزت مقولة أنيس منصور إلى رأسي وأنا أقرأ مجموعة من المنشورات رأيتها على فيسبوك يطلب فيها أصحاب الحسابات من متابعيهم الكتابة عن أجمل أبيات الشعر وأكثر الجمل تأثيرا فى حياة كل منهم.. فهل يمكن الآن أن تتحقق مقولة أنيس ولكن بطريقة أخرى؟!!.. وأقصد بالطريقة الأخرى هنا عن طريق تسجيل محركات البحث لما نكتبه على المدونات وتويتر وفيسبوك.
صحيح ليس هناك كتابا منشورا يمكننا التنقل معه والسباحة بين صفحاته.. ولكن محرك البحث يفعل ذلك.. بصورة أقل نسبيا لكنه يفعلها ويحاول الوصول إلى ما نرغب.
منشور صغير كتبه شاعر وناقد عراقي اسمه حازم هاشم.. كتب يقول: "ذوقكم دائماً محط تقدير وإحترام.. هل لكم أن تعلقوا بأجمل صورة شعرية حفظتموها عمودًا أو نثرًا.. مع مودتي ومحبتي وإحترامي".. المنشور تلقى تعليقات كثيرة من كتاب وشعراء ونقاد ومواطنين عاديين لديهم ذائقة شعرية.
الكل بدأ فى كتابة ما يحب.. وثق تماما أنه عندما تكتب عما تحب فلقد أهديت جزءًا من روحك إلى الأصدقاء والأحباء.. أو إلى الناس عامة.. وكما نقول بالبلدى "الكلام اللى بيخرج من القلب بيوصل إلى القلب".. كذلك جاءت التعليقات.. فيض من أجمل الصور الشعرية التى يحفظها كل مُعلق.. تنويعات كبيرة بين الشعر العراقي العامي والشعر الفصيح والنثر ومعلقات الأوائل.
وفى كل تعليق تكتشف روعة الصورة الشعرية.. كأنك تسمعها لأول مرة.. أو كأنك غمرت رأسك تحت مياه الدش البارد فى اليوم الحار لتغسل أفكارك وتجددها.. وتقول لنفسك لماذا لم أعجب بهذا البيت الشعري من قبل؟!!.. لماذا هذه الصورة الشعرية مرت أمامى ولم أنتبه لها؟! .. لماذا قرأت هذا البيت خمسين مرة ولم أشعر أنه بهذه الحلاوة إلا الآن ًعندما اختاره أحدهم؟!
باقة ورد زكية يجمعها ويضعها أمامك كل الناس من أكثر من حديقة، حتي تفاجئ بأنك امتلكت محل ورد كبير فيه كثيرا من الأنواع.. وأعتقد أن هذا ما كان يقصده أنيس منصور.. الكل يكتب عن أفضل ما قرأ.. وأجمل ما سمع.. وأحسن ما رأى.
وقديما سُئل الشاعر الألماني العظيم جيته: وما هي الكتب التي أثرت في حياتك؟ فقال: لا أعرف بالضبط. كما أنني لا أعرف ما هي الأطعمة التي جعلت أظافري لامعة!