الوطن
عبد العظيم درويش
فى انتظار «غضب» الرئيس!
يبدو أن معظم مسئولى أجهزة الدولة «مرفوعين من الخدمة مؤقتاً» انتظاراً لـ«توجيهات الرئيس»، فقد اعتاد مسئولونا على ذلك.. نعم كانوا هكذا منذ قديم «الزمن» وظلوا على ما هم عليه حتى بعد «ثورتين».. ويبدو أنهم سيظلون عليه لفترة أدعو الله سبحانه وتعالى أن تكون قصيرة.. فلا أفكار.. ولا مبادرات.. ولا قرارات.. ولا استجابات لمطالب المواطنين المشروعة ولا حتى مجرد تقديم اقتراحات وهو أضعف الإيمان.. ربما خوفاً أو إهمالاً أو استهانة بمصالح مواطنين أخضعهم «سوء الحظ» ليكونوا فى انتظار أن يتحرك مسئولوهم لتلبية احتياجاتهم، بعد أن أصبح البعض من هؤلاء المسئولين مجرد «شخوص أو مسخ» احتكروا لأنفسهم مواصفات مياه الشرب -التى كنا نعرفها فى السابق- « لا لون ولا طعم ولا رائحة»..!

الصورة السابقة تترجمها بصدق تلك «الاستقالة الجماعية» التى قدمها 4 نواب لمحافظة جنوب سيناء للدكتور على عبدالعال من عضوية المجلس، والتى جاءت اعتراضاً على ممارسة الأجهزة بالمحافظة نوعاً من التعنت تجاه مطالب الجماهير هناك، وفق ما جاء فى نصها «نواجه مشكلة حقيقية مع الجهاز التنفيذى للمحافظة فى عدم تعاونه معنا فى حل كافة مشاكل المواطنين البسيطة، التى يمكن حلها من خلال الجهاز التنفيذى بكل سهولة لولا التعنت الواضح من خلالهم، مما وضعنا فى حرج شديد أمام أبناء دوائرنا ويصوروننا بالعاجزين لعدم تقديم الخدمات».

وفق «أدبيات التعامل» مع الجهات الحكومية فإننى لا أجد تفسيراً لهذا التعنت حتى مع «نواب الشعب» سوى إما أن مسئولى هذه الأجهزة المقصودة قد رفضوا الاستجابة لـ«استثناءات غير قانونية» طالب بها هؤلاء النواب لبعض معارفهم.. أما التفسير الثانى فهو أن «النواب» قد رفضوا بالقطع سداد قيمة «الشاى» لهؤلاء المسئولين الذين يقبضون على مصائر المواطنين، وكلنا نعلم ما هو «الشاى المصرى» فى المصالح الحكومية!.. وعلى كل حال لنبقى حسنيى النية «وهذا أفضل».

وعلى الرغم من أن الرئيس السيسى سبق مراراً التأكيد على أنه يسعى إلى تأسيس دولة بلا تمييز ولا يشعر فيها المواطن بأى خوف لا من الإرهاب ولا من تغول السلطة عليه أو تعسف الدولة ضده، وأنه فى نفس الوقت قد أكد احتياجه لمجهود كل مواطن وأنه لن يستطيع أن يحقق شيئاً بمفرده، إلا أنه يبدو أن للمسئولين رأياً آخر إذ إنهم يعتبرون أنفسهم «استثناءً» من هذه الدعوة أو أنهم يحتلون مراكز «فوقية» لا تجبرهم على الاستجابة لمواطنيهم على الرغم من أنهم يتقاضون رواتبهم من الضرائب التى يسددها هؤلاء المواطنون.

ما جرى من جانب نواب جنوب سيناء رداً على ممارسات مسئولى الأجهزة فى المحافظة يتحمل الرئيس جزءاً منها، فهو يمثل رأس الدولة وأن اختيار هؤلاء أو أمثالهم من ضمن مسئوليته أو على الأقل اختيار المسئول عن إبقائهم فى مواقعهم التى يشغلونها «أى رئيس الوزراء ووزير الإدارة المحلية».

شكوى نواب سيناء مما يلاقونه من جانب الأجهزة التنفيذية ليست هى المرة الأولى التى تتجسد فيها معاناة أهالى سيناء أو أنهم ينفردون دون غيرهم بهذه المعاناة، إذ إن معظم المتعاملين مع الأجهزة التنفيذية فى مختلف محافظات مصر يعانون من ذات المعاناة، وهو ما اتضح بصورة جلية خلال المؤتمر الشهرى للشباب، الذى عقد أخيراً فى الإسماعيلية، فقد أظهر الحوار خلاله أوجاع مواطنى سيناء ومدن القناة، إذ عرض شباب هذه المدن الصعوبات التى يواجهونها فى حياتهم اليومية، إلا أن الرئيس -كما اعتدناه- كان صريحاً للغاية حين قال: «إن ما يتم تخصيصه للإنفاق على الخدمات غير كاف، يعنى بالبلدى «العين بصيرة والإيد قصيرة».

وإذا كان ما أعلنه الرئيس هو الواقع الصريح لظروفنا الاقتصادية المؤقتة، فإنه ولابد أن تكون الأجهزة التنفيذية على قدر المسئولية وأن يكون هناك دائماً قرار دون ارتباك.. تصرف دون ارتعاش الأيدى.. رؤية محددة الملامح لمواجهة الأزمة دون انتظار.. فالتكاسل عن ذلك يعد «خيانة» أو -على أقل تقدير- «فساداً»، أما إذا ظل الوضع على ما هو عليه الآن فإننى أخشى أن يصبح مجلس النواب مهجوراً من أعضائه إذا ما أجبرتهم الظروف على انتهاج ذات نهج نواب سيناء فى مواجهة تعنت المسئولين الذين تفرض عليهم واجبات وظائفهم حل مشاكل المواطنين، ووقتها سيكون من حق الرئيس إلغاء مناصب رئيس الوزراء والوزراء ورؤساء الهيئات جميعها وليصبح «نقيباً» لكل النقابات المهنية والعمالية أيضاً!

ولأنه لا يعرف «الحياد» بل إن «الانحياز التام» للمواطنين وبخاصة الفقراء البسطاء وغير القادرين منهم هو أرضه التى يقف عليها دوماً‏.. وأن ‏الحفاظ على كرامة مصر منهجه‏، ‏وأن تحقيق مصلحة الوطن فى مقدمة أولوياته‏، ‏ وأن هموم مواطن بسيط تشغل تفكيره‏، ‏ وأن ضمان مستقبل شاب يظل مهموماً به‏، ‏ وأن معاش عجوز يبقى قضيته الأولى‏، ‏وأن إحباط مواطن يؤلمه‏، وأن رخاء البسطاء يظل حلماً، ولأنه قائد وأنه يفاجئ الجميع بقرارات إقالة الفاسد أو المتهاون أو المتعنت بعد أن يستدعى من خلفيته العسكرية التعبير الشهير «بيان عملى على المعلم» انتظاراً لأن يقدم رئيس الوزراء وكتيبة وزرائه على إعادة ما قدمه و«يقيلون» من تحيط به «شبهات الفساد».. وإذا كان جميع المسئولين يسارعون بالاصطفاف أمام الرئيس «القائد» ويهرعون إلى محاولة «وأد» أسباب غضبه إذا غضب أو انفعل، فإننى أناشده أن ينفعل وأن يغضب.. فكلنا فى انتظار هذا الغضب!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف