المصريون
عمرو عبد الحافظ
إخوان كمال.. هل من جديد تحت الشمس؟!
في حوار أجرته معه فضائية مكملين في أكتوبر 2016 شرح مجدي شلش العضو السابق باللجنة الإدارية العليا للإخوان (جبهة كمال) استراتيجية هذا الفريق في التعامل مع نظام ما بعد 3 يوليو 2013؛ فقد نفى شلش نية جبهة كمال في التوجه إلى ما سمّاه عسكرة الثورة، وأقر في الوقت ذاته أن الحراك السلمي لن يجدي وحده في كسر "الانقلاب" وأنه لا بد من وجود أدوات تحمي هذا الحراك الذي يسعى فريقه إلى توسعته، هذه الأدوات على حد وصف شلش ستكون محدودة لأنها سوف تتعامل فقط مع مفاصل هذا "الانقلاب" التي وصفها بالمحدودة أيضا مؤكدا أن ما يمثل "الانقلاب" داخل مؤسستي الجيش والشرطة نسبة قليلة من عناصر المؤسستين، وأضاف شلش أن فريقه جرب من قبل هذه الاستراتيجية في موجة يناير 2015 وآتت ثمارها في إرباك سلطة "الانقلاب" إلى الدرجة التي فكر معها بعض الإخوان في الانتقال السريع إلى مرحلة الحسم، غير أن الخطة المعتمدة كانت تتدرج في ثلاث مراحل تبدأ بالإنهاك والإرباك ثم الإفشال ثم الحسم، ومن ثم قررت الجماعة مراعاة هذا التدرج وعدم القفز على المراحل. وهي الاستراتيجية التي عارضتها - بحسب شلش - القيادة التاريخية للجماعة ممثلة في القائم بأعمال المرشد محمود عزت ومن معه، مما أدى إلى عرقلة الخطة التي كان من المقرر إنهاؤها بالحسم وكسر "الانقلاب" - وفق شلش - في يناير من العام التالي 2016.
إلى هنا ينتهي شرح القيادي الإخواني مجدي شلش، وهو ما يثير في الذهن عدة أسئلة تبحث في شغف عن إجابات لها.
ما الذي يضمن أن تنضم شرائح من المجتمع إلى هذا الحراك وفق هذه الخطة رغم أنها وضعت بمنأى عنه داخل مؤسسة الجماعة؟ أليس من الوارد أن ترفض تلك الشرائح هذه الخطة وتحجم عن المشاركة فيها لعدم قناعتها بها كما فعل فريق من الإخوان يتزعمه القائم بأعمال المرشد ومعه القيادة التاريخية للجماعة؟ أليس من المحتمل أن ترفض قوى سياسية وثورية المشاركة في الحراك لنفس الأسباب؟ وفي هذه الحالة هل ستتغير الاستراتيجية المعتمدة هذه إلى استراتيجية أخرى توافقية؟ وإذا كان في النية أن تخضع الاستراتيجية المعتمدة للحوار الثوري فلماذا تم اعتمادها قبل الحوار ولماذا لم يتم هذا الحوار داخل الجماعة التي انقسمت على نفسها بسبب الخلاف حول هذه القضية؟ وإذا كانت هذه الاستراتيجية المعتمدة غير قابلة للنقاش والتغيير فكيف يضمن هذا الفريق انحياز قطاعات أخرى من الشعب إليها؟ هل ثمة دراسة علمية تشير إلى أن نسبة ما معتبرة سوف تقتنع وتنضم أم أنه لا دراسة هنالك؟ وإذا رفضت معظم الشرائح الانضمام فكيف سيستطيع هذا الفريق وحده أن ينجز خطته التي بناها على فرضية أن الحراك سوف يتوسع بالفعل؟
وإلى أية دراسة استند صانعو هذه الاستراتيجية حينما قرروا أن نسبة قليلة من عناصر الجيش والشرطة هي فقط الداعمة "للانقلاب" رغم أن كل الشواهد تشير إلى تماسك المؤسستين واتفاقهما التام على خطوة الإطاحة بمرسي؟ وإلى أية دراسة استند أصحاب هذه الخطة في اعتقاد أن بقية قوات الجيش والشرطة غير المساندة جدلا "للانقلاب" سوف تظل على الحياد التام وهي ترى تلك المفاصل القليلة تترنح تحت ضربات تلك الأدوات التي وصفها شلش بأنها محدودة وستؤدي الغرض منها؟
وإلى أية دراسة استند واضعو تلك الخطة في أن القوى الإقليمية والدولية صاحبة تشابكات المصالح مع النظام الحالي في مصر سوف تكتفي بالجلوس على مقاعد المتفرجين لتشهد انهيار مصالحها وسقوط حلفائها تحت ضربات أدوات بسيطة كما يظن أصحابها أنها كفيلة بإسقاط نظام؟
كل هذه الأسئلة البديهية والتأسيسية وغيرها هل فكر فيها أصحاب تلك الاستراتيجية وهل وجدوا إجابات شافية لها أم أنهم غفلوا عنها لتسيطر عليهم فكرة الثورة ورد الاعتداء وحسب؟ هل فكروا عميقا في مآلات اعتماد هذه الخطة أم تراهم يخوضون لججها دون دراسة عميقة؟
لقد عودتنا جماعة الإخوان أن تغيب عن عقل صانع القرار فيها مثل تلك الأسئلة؛ تماما مثلما حدث عند مناقشة قرار الترشح للرئاسة عام 2012، اكتفى مجلس شورى الإخوان بالبحث في المرشحين وفرص فوزهم ولم يناقش القوى المتحكمة في المشهد داخليا وخارجيا وسيناريوهات تعاطيها مع الإخوان حال وصول واحد منهم إلى سدة الحكم في مصر. هذا ما قاله جمال حشمت عضو مجلس شورى الإخوان في مقال له عنوانه "في ذكرى 25 يناير كنت هناك ولكن" نشره موقع المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية في 29 يناير 2017. لقد سيطرت على الجماعة حينها مخاوف من وصول أحد رموز نظام مبارك إلى الحكم - بحسب بيانها في 31 مارس 2012 - وظنت أن مجرد وصولهاإلى الرئاسة عاصم من هذه المخاوف دون أن تدرك أن الحكم ذاته في هذه الظروف يمثل تهديدا أشد وأن عليها أن تفكر بطريقة مختلفة لتفادي تلك التخوفات المحتملة دون الوقوع في فخ أصعب.
وقل مثل هذا بشأن استمرار اعتصام رابعة بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب؛ فقد استبعدت قيادة الإخوان احتمالية فض الاعتصام بالقوة المفرطة وسيطرت عليها فقط الرغبة في الحفاظ على الاعتصام كورقة ضغط، دون أن تبحث مثلا عن ورقة أخرى قليلة الكلفة حال التهديد.
هكذا اعتدنا من قيادة الإخوان التاريخية، فما الذي يضمن لنا أن قيادة جبهة كمال لا تفكر بالطريقة ذاتها وأنها لن تورط مؤيديها في خسائر جديدة وأن أحلامها لن تتحطم هي الأخرى على صخرة واقع لم تتدارسه جيدا، لا سيما وأن الاستراتيجية المعلنة قد سطّحت أمورا كثيرة مثل الأدوات والمفاصل ولم تطرح أسئلة المآلات والاحتمالات.
حينما تناقش جبهة كمال تلك النقاط المهمة وتجيب بوضوح عن تلك الأسئلة التأسيسية سنكون أمام شيء جديد في الإخوان يستحق المدارسة، أما إذا أغفلتها أو عجزت عن تقديم إجابات شافية لها فحينها ينبغي أن ندرك أن ما اعتدنا عليه ما يزال قائما وأنه لا تغيير جوهريا هنالك في آليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية وأنه لا جديد تحت الشمس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف