المساء
مؤمن الهباء
الحكومة تفرض شروطها
فرضت الحكومة شروطها علي مجلس النواب.. ووافق الأعضاء بعد شد وجذب علي قانون العلاوة بالشكل الذي أرادته الحكومة.. وبالمقاس الذي يناسبها ويوافق رؤيتها.. أصرت علي وضع المادة الخامسة في القانون لكي تمنع العلاوة المستحقة عن الموظفين العاملين بالأجهزة الحكومية والقطاع العام وأصحاب المعاشات.. وهؤلاء الغلابة هم أحق الناس والفئات بأية زيادة في دخولهم بعد أن تدهور بهم الحال إلي أدني حد.
موقف الحكومة كان حازما في أن يقتصر صرف العلاوة وبأثر رجعي علي غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية.. وحجتها في ذلك أن صرف العلاوة لجميع الفئات سيكلف خزانة الدولة 18 مليار جنيه.. وهو رقم لا تستطيع الحكومة تدبيره رغم الكلام الكثير الذي تردده عن الفوائض التي تحققها والاكتشافات المتتالية في الغاز والبترول وأكبر عائد في قناة السويس وأكبر احتياطي نقدي وأكبر قرض من صندوق النقد.
والحكومة تعرف كما نعرف أن الموظفين الغلابة هم الذين تحملوا أعباء الاصلاح الاقتصادي في موجاته المتتالية.. وهم أكثر فئات الشعب التزاما بدفع الضرائب لأن ضرائبهم تخصم من المنبع.. ولا يعرفون شيئا اسمه التهرب الضريبي الذي يجيده الأثرياء ورجال المال والأعمال ونجوم الفن والرياضة.. ولا يعرفون شيئا اسمه الكسب غير المشروع.. ولا يجيدون أساليب نهب المال العام.. ومع ذلك حينما يتعلق الأمر بصرف علاوة لهم يكون رد الحكومة: ¢"مفيش¢" و"¢منين"¢.
في الجلسات الأولي لنظر مشروع قانون العلاوة كان النواب في قمة الحماس.. وأصروا علي حذف المادة الخامسة حتي يتسني الصرف للجميع دون تمييز.. لكن ممثل الحكومة رفض رفضا قاطعا.. وهدد بسحب القانون.. وفي أول جلسة للتصويت كان صوت النواب مجلجلا ضد القانون وضد الحكومة.. مطالبين بحذف المادة الخامسة الظالمة.. ووصل التهديد إلي رئيس المجلس الذي كانت لديه رغبة مكشوفة لخطف الموافقة بسرعة.. فأمر بإعادة المداولة حول المادة.. ودارت المداولة خلف الكواليس.. وجرت مياه كثيرة تحت الجسور إلي أن فوجئنا بموافقة النواب علي القانون بمادته الخامسة.. وثبت بالتجربة للمرة الألف أن المجلس الموقر لا يقدر علي غضب الحكومة.
وفي محاولة لتمرير القانون أعلنت الحكومة انها ستصرف لكل مواطن مربوط علي بطاقة تموينية 14 جنيها تصرف مرة واحدة بمناسبة شهر رمضان المبارك.. أي والله 14 جنيها فقط لا غير.. ورغم ضآلة المبلغ وما يمثله من إهانة للمواطن المصري إلا أن الصحف احتفت به وهللت له.. وجعلت منه معظم صحف الأربعاء الماضي المانشيت الرئيسي لها باللون الأحمر وكأنه فتح عظيم.. بينما اكتفت صحف أخري بحساب تكلفة هذه الاعانة الحكومية وركزت علي أنها ¢مليار جنيه¢.
ولمزيد من النفخ والتهليل عقب رئيس مجلس النواب علي هذه الاعانة الهزيلة قائلا: ¢أول مرة تبقي الحكومة كريمة.. ورد عليه النائب محمد السويدي رئيس "¢ائتلاف دعم مصر"¢: ربنا يهديها.
وفي النهاية خرج مجلس النواب من المعركة خاسرا مهزوما.. كنا نتمني أن يصمد في وجه الحكومة.. ويسجل موقفا و احدا في جانب الشعب إلي النهاية.. لكنه نكص علي عقبيه.. واختار ان تقع كلمته هذه المرة أيضا أمام الحكومة لأنها هي التي تمنح وتمنع.
من شاهد جلسة الاعتراض الجماعي علي القانون ثم جلسة الموافقة في التصويت بالنداء علي النواب لأسمائهم فردا فردا لابد أن يحزن علي الانقلاب - أو التحول- الذي أصاب النواب في وقت قصير جدا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف