الأهرام
محمد الرميحى
القمة ..توقعات ومحاذير !
بعد أسبوع من اليوم، أى فى 21 مايو 2017 سوف تنعقد قمة ليس لها شبيه فى العصر الحديث، سبع عشرة دولة عربية و إسلامية وربما اكثر، سوف يلتقون الإدارة الامريكية الجديدة فى الرياض ، الامر ملفت ومهم وربما سيكون ما بعده غير ما قبله فى العلاقات الدولية. الدول التى سوف تلتقى السيد دونالد ترامب ليست لها اجندة موحدة ، هى سوف تواجه اجندة واحدة واضحة ، فى عمومها (مصالح الولايات المتحدة من وجهة نظرها) الا ان الاجندة المقابلة ليست موجودة او لم يفكر فيها بعمق ، الا ان الامر يبدو اعقد من ذلك بكثير، فهناك ضغوط شديدة وغير مسبوقة فى العصر الحديث على الرئيس الأمريكى داخليا، ربما لا تشبه الا الضغوط التى مورست ضد السيد ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة فى النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، انتهت تلك الضغوط بخروج السيد نيكسون من البيت الأبيض بشيء من العار السياسى، هناك كثيرون اليوم يرغبون فى أن يتذكروا تلك المرحلة، ويقارنوها بمرحلة السيد ترامب الحالية ، ربما عن واقع ملموس، وربما عن تمنى، أخيرا اقالة مدير وكالة التحقيقات الفيدرالية أف بى أى جيمس كومى صاحب الشخصية المثيرة للجدل، دفعت البعض إلى تذكر تلك المرحلة، لأن السيد نيكسون أيضا فى بداية أزمة سميت وواتر جيت ، اقال المسئول وقتها عن المخابرات من أجل تخفيف الضغوط على إدارته والتى قادت فى النهاية الى استقالة الرئيس قبل ان يُقال، وقد ثبت لاحقا ان من كان يسمى (الحنجرة العميقة) الذى سرب فى البداية للصحفيين اخبار الخروج على القانون، هو نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية وقتها! لقد تغلبت فى حالة نيكسون المؤسسة على الزعامة. ليس هينا ما يواجه السيد ترامب فى الداخل الأمريكى، فهو بجانب ملف (التدخل الروسى المزعوم فى الانتخابات السابقة) الذى يؤرق الرئاسة، يواجه مؤسستين ضخمتين حتى الآن، الاعلام و القضاء، وهما مؤسستان بالغتى القوة والتأثير فى المجتمع الأمريكى، لذلك يمكن أن تجر وراء إقالة مدير وكالة التحقيقات سلسلة من التداعيات، فى السابق هرب السيد نيكسون فى مرحلة الأزمة إلى الأمور الخارجية، وربما يتكرر الامر مع السيد ترامب هذا الأمر فى تكرار عبثى لمشاهد التاريخ!.

سوف يظل المحللون يقارنون بين فكرتين فى فهم النشاط السياسى الأمريكى الحديث، وتتركز المقارنة على سؤال: هل الولايات المتحدة دولة مؤسسات، ام هى دولة زعامات؟ هذا النوع من التحليل الذى يرسم الأمور بالأبيض والأسود ليس واقعيا، الحقيقة هى بين بين، أى بين، أن تكون دولة مؤسسات فى جانب، ولكنها أيضا دولة زعامات من جانب آخر . خاصة فى الشئون الخارجية.

لم يستقر حتى الآن الرأى التحليلى والمنطقى والنهائى على وضع السيد دونالد ترامب فى أى خانة هو كما يظهر من مواقفه السياسية، هل هى خانة الزعماء التاريخيين، او خانة الرؤساء فاقدى الأجندة.! من يضعه فى الخانة الأخير يجد لديه كثيرا من الشواهد التى تقره على ذلك، فهو يقول كلاما فى موضوع ومن ثم يغير رأيه فى نفس الموضوع، قال ذلك عن كوريا الشمالية، وقاله عن روسيا وعن كندا وعن المكسيك وغيرها من الدول والملفات حتى فى الشرق الأوسط، وفى اهم ملفاته سوريا و الموضوع الفلسطينى وفى وقت قصير من الزمن . البعض يرى ان فيه إمكانية رجل قيادى كبير ، لانه يمكن ان يستخدم القوة ( الناعمة او الخشنة ان استدعى الامر ) من اجل تنفيذ سياساته ،تلك القوة ليست قليلة التأثير فى مسار الاحداث ، الا انه حتى الان،ومن خلال ما ظهر من سياسات لم يتبين لكثيرين الطريق الذى يمكن ان يسلكه فى السياسيات الداخلية او الخارجية ! ما يقلق البعض ان يهرب الرئيس وادارته من استحقاقات داخلية ضاغطة الى الخارج ، وربما فى الطريق تُرتكب حماقات قد تكون نتائجها كارثية!

ماذا يمكنه ان يقول لسبعة عشر ممثلا للدول او رؤساء، قد يكون بينهم اختلاف فى الرؤى و الاستراتيجية وتباين فى الأولويات ، غير الكلام العام المرسل، يمكن ان يكون الاجتماع مفهوما لو اقتصر على الدول العربية او اكثرها ، اما جمع هذا الكم الكبير نسبيا من الدول، فان الاحتمال ان يبقى الامر فى اطار المظاهر الاحتفالية و الاعلام لا غير هو الأقرب . فى حال لم يخرج الجميع بحصيلة ذات مغزى من هذا الاجتماع، لأن الدول الإقليمية الى ترغب فى بسط نفوذها سوف تفهم ان كل ما تم لا يخرج عن مناورات كلامية و يتيح لها براحة معقولة السير فى أجندتها التوسعية. والنافذة لأى تغيير حقيقى فى السياسات فى المنطقة نافذة ضيقة، فليس بالإمكان تصور وضع خارطة طريق معقولة لحلحلة الموقف فى فلسطين، ولا خطة محتملة لوقف نهر الدم المتدفق منذ سنوات فى سوريا، ولاحتى فى اليمن، وسوف تبقى ليبيا جرحا نازفا لشعبها وربما للدول المجاورة، عدا ان الوضع الاقتصادى فى منطقتنا لايبشر بكثير الخير فى المدى المنظور على الأقل. والقلق الذى ينتاب المتابعين ان الأمور السياسية يمكن أن تسوء أكثر من ان تنفرج، وان تأثير الولايات المتحدة أصبح تأثيرا يتراجع فى القوة لأسباب موضوعية فى داخل الولايات المتحدة لا فى خارجها، فهى الان تقبل ان تبقى كوريا الشمالية على قوتها، بل أن الرئيس الجديد فى كوريا الجنوبية أعلن بوضوح أنه على استعداد للدخول فى حوار سياسى مع كوريا الشمالية، حتى دون موافقة واضحة من واشنطن، كما ان الاتحاد الروسى أصبح مطلق اليدين فى جزء من أوكرانيا و أيضا فى سوريا. كل ذلك قد يقود إلى أن تكون القمة المقبلة فى الأسبوع القادم قمة علاقات عامة لا غير. أما إذا كان فى جعبة الإدارة الجديدة ما يمكن أن تقدمه ومختلفا عما جاءت بها الإدارات السابقة، فان ما يعرف منه اقل من القليل، وهو الملف الاقتصادى. فهل نتوقع إجراءات سارة فى الملفات العالقة، وهى ملفات تستزف المنطقة إنسانيا واقتصاديا؟ لا أجد مبررا للتفاؤل حتى الآن ، لأن المشكلة التى نواجهها هى أن أجندة الإدارة الامريكية الجديدة غامضة على اقل تقدير و متذبذبة فى الظاهر كما بدت حتى الآن!

خطورة القمة انها سوف تكشف ان خرجت دون قرارات واضحة تتبعها أفعال، تكشف عن هشاشة لم يتوقعها المبتهجون فى الأيام الأولى لوصول الإدارة الجديدة. انه عصر فى العلاقات الدولية خطير، كما ان ما سوف يواجهنا بالتأكيد صيف ساخن وربما خطر !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف