الأخبار
جلال دويدار
الثانوية العامة.. مرض يحتاج مواجهة شجاعة
الشيء الغريب والمثير في تفاقم أزمة التعليم التي نعيشها في مصر المحروسة منذ عدة عقود أن المسئولين عن إدارتها يدركون ويعلمون ما وراءها من أسباب. إن مشكلتهم هي القيود والتغييرات التي تحيط بهم وتمنعهم من اتخاذ أي قرار فاعل يمكن أن ينتشل هذه المنظومة الحيوية التي تعد ركيزة أساسية لأي تقدم أو ازدهار. أخطر هذه القيود هي ضيق ذات اليد نتيجة الظروف الاقتصادية التي تولدت أصلا عن انهيار العملية التعليمية والمفاهيم الاجتماعية.
الوضع بشكل عام عائد لنقص الموارد كمحصلة طبيعية للشعارات الوهمية الكاذبة التي دفعت المواطنين إلي التخلي عن البذل والعطاء اللذين يحتمان العمل والإنتاج. حدث ذلك نتيجة ما ساد الدولة تفعيلا للقوانين والتشريعات التي رسخت شعار »من حقك أن تأكل دون أن تعمل»‬. هذا المبدأ الهدام عكس ما هو سائد من نظم وايدلوجيات بكل الدنيا اشتراكية أو رأسمالية حيث تقوم علي أن »‬من لا يعمل لا يأكل» باستثناء من تمنعهم الظروف الصحية وبالتالي تتولي الدولة كفالتهم.
كان من الطبيعي أن ينعكس هذا الفكر المختل علي منظومة التعليم وهو ما يدل علي فقدان حاسة الكفاءة الصحيحة لإدارة شئون هذا الوطن. جري ذلك في إطار من الإصرار علي عدم الأخذ بمقومات التجارب التي خاضتها الدول علي أسس سليمة وكانت سبيلها إلي التقدم والنهوض. ظهر هذا السقوط جليا عندنا في توجيه المنظومة التعليمية وهو ما ترتب عليه الفشل.. وفقا لما ذكره الدكتور طارق شوقي وزير التعليم في مؤتمر أخبار اليوم ـ جامعة القاهرة »‬نحو حلول إبداعية لمشكلة التعليم». قال انه تم اخترال هذه العملية في نظام الثانوية الذي أصبح مرضا مزمنا في مصر لقيامه علي أفكار تعليمية بالية لا تسمح بأي تقدم أو نهوض. في ظل هذا الأداء فإن الحصول علي المجموع الكبير ظل هو محور هذه الشهادة وهو مالا يمكن أن يعبر بأي حال عن متطلبات العلم المفيد.
كان التزايد السكاني المنفلت وغير المنضبط أحد عوامل تعقيد المشكلة وهو ما أدي إلي عدم القدرة علي توفير المدارس اللازمة لاستيعاب من هم في سن التعليم الأساسي. من مظاهر هذه الحالة المؤسفة وصول أعداد التلاميذ في الفصل الواحد إلي ٧٠ طالبا بالإضافة إلي تشغيل المدارس دورتين أو ثلاث دورات يوميا. تم ذلك رغم عدم وجود العدد الكافي من المدرسين الأكفاء بسبب قيود التعيين إلي جانب انخفاض المرتبات والأجور التي تجعل من ممارسة هذه المهنة غير مشجع أو مغر.
إذن وبناء علي ما ذكره وزير التعليم فإن الخروج من هذه الدائرة المغلقة يحتاج إلي تغيير شامل في الفكر والإدارة والنظم المعمول بها. كل هذا مرهون بتواجد الدولة وإيمانها بتوفير كل متطلبات تحقيق هذا الهدف علي مدي الفترة المحددة للتنفيذ والإنجاز. ما هو مطلوب يتماشي مع ما نص عليه الدستور بشأن الاهتمام بالتعليم وأن تقوم الدولة بتوفير الاعتمادات اللازمة لإصلاحه والنهوض به.
هذه الاستراتيجية المستهدفة للاصلاح.. تشمل التعليم الأساسي بداية من الحضانة وحتي إتمام الشهادة الثانوية.. يدخل ضمن هذا التطوير أيضا التعليم الفني بكل أجنحته الصناعية والتجارية باعتباره الدعامة التي اعتمدت عليها كل الدول المتقدمة. هذا التعليم يحتاج إلي مزيد من الاهتمام وأن ترتبط برامجه بمؤسسات الإنتاج باعتباره القاعدة التي تحصل منه علي احتياجاتها من الفنيين اللازمين لنشاطها.
(وللحديث بقية)
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف