الجمهورية
مؤمن ماجد
عقــــل للبيـــــع
أصحاب العقول أصبحوا من المغضوب عليهم والضالين.. يُصْـلَبون كل يوم آلاف المرات.. تطاردهم جيوش أحفاد فرعون.. يرصد أبوابهم ومعه من كل قبيلة رجل.. لا مكان علي خشبة المسرح. إلا لحملة المباخر وناقري الدفوف.
لأنني أملك عقلاً عاصياً. فقد فكرت في بيعه.. لن أقبل أبداً أن أطرحه في سوق النخاسة. أو متاجر الرقيق الأبيض.. وهو بالقطع لا يصلح في سوق الماركات العالمية.. مكانه الطبيعي بسوق "الكانتو" لأنه عقل من طراز قديم جداً.. يعتقد أن الخير لابد أن ينتصر علي الشر.. وأن الحق سيعود لأصحابه.. وأن الاجتهاد والعمل الشاق هو طريق النجاح.. وأن الكفاءة والموهبة هي وسيلة الترقي والرقي.
كل معتقدات عقلي العاصي أصبحت غير صالحة للاستعمال.. جميعها تجاوزها الزمن.. تحولت إلي "أنتيكات" تصلح للمتاحف. وليس الحياة اليومية في زمن سادت فيه قيم "الفهلوة" واللا مبالاة. واقتناص المغانم ولو علي حساب المبادئ.
شعارات عقلي العاصي غطاها التراب تماماً مثل اللوحات القديمة المعلقة في مكتب جدي.. كنت أراقب "الصبر مفتاح الفرج". وسرت علي طريق الصبر مئات السنين. ولم أعثر علي مفتاح الفرج.. كنت أشاهد "القناعة كنز لا يفني" وفَنِيَ الكنز. ولم أخلع رداء القناعة.. كنت أتابع "مَن جَـدَّ وَجَد". وحفرت الصخر. وسال عرقي. ولم أجد.
عقلي العاصي يؤمن أن التعددية هي المسار الأوحد للديمقراطية. وأن الصوت الواحد هو الباب الملكي للديكتاتورية.. يصر علي أن المكاشفة. وليس المنافقة هي الطريق إلي التصحيح.. يقول إن دغدغة المشاعر نهايتها الحتمية الهلاك.. يحذر من أن الوطن دائم. والأشخاص زائلون.. يرفض أن ينضم للقطيع. ويري أن مواكب السلطان ليست طريق الجنة.
لذلك فكرت أن أطرح عقلي للبيع. رغم أني أعرف أنه "روبابيكيا" وعتيق الطراز. ومكانه الطبيعي سوق "الكانتو" لأنه لم يعد صالحاً لزمن أبرز أغانيه وأمانيه "آه لو لعبت يا زهر".
لا.. لن أبيع عقلي.. لن أساوم علي مبادئي.. حتماً ستشرق الشمس يوماً.. يقيناً سيأتي الفجر.. قطعاً سينتصر الخير.. وحتي لو كانت كل قناعات عقلي زائغة. يكفيني فخراً أن العقل وصاحبه لم ولن يكونا أبداً "للبيع".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف