الوفد
علاء عريبى
استحكامات الحصانة
قانون تنظيم الصحافة (96 لسنة 1996) تضمن ست مواد (من 24 إلى 29) تكفل حق الرد، سواء للأشخاص أو الهيئات، وتعطى المتضرر مساحة مماثلة لمساحة المقال أو الخبر الذى تضرر منه، كما أنها اشترطت نشر الرد فى المكان نفسه، ومنحت المتضرر حق مقاضاة كاتب المقال والجريدة فى حالة عدم نشر الرد عند وصوله فى المواعيد المقررة.
وهذه الرخصة القانونية منحت للأشخاص والهيئات لتصحيح ما قد تقع فيه الجريدة أو ما يقع فيه الكاتب من أخطاء، فالخطأ وارد فى العمل الصحفى والإعلامى، وفى أى مهنة، والمشرع فى القانون ميز بين الخطأ وهو آفة إنسانية وبين القذف والسب، حيث إن الخطأ يحدث لسهو أو لقلة معلومات أو لسوء تقدير، وفى جميع الحالات تتوافر لدى المخطئ حسن النية وعدم القصدية، أما القذف والسب فهو على نوعين، المباشر وتتوافر فيه القصدية والتعمد، وغير المباشر الذى يمكن إرجاعه إلى الجهل، فيستخدم الكاتب أو الصحفى أو الإعلامى بعض الصفات يتم تفسيرها فى خانة القذف والسب.
هذه المواد التى وفرها المشرع للأسف يضرب بها عرض الحائط، وقليلا ما يستخدمها البعض، خاصة الجهات أو الهيئات، والذى يعود إلى تاريخ مصر بدءا من قيام ثورة 1952، يكتشف أن العديد من الهيئات فرضت حولها سياجا، ووضعت القوانين التى تحصنها من الهيئات المماثلة أو من الصحافة أو المواطنين، والملفت للانتباه أن هذه الحصانة شملت المؤسسة وقيادتها والعاملين بها، وشملت أيضا فى بعض الحالات نظمها وآلياتها، فضلا عن قراراتها، ولكى يحكموا السياج ويفرضوا الحصانة استخدمت كلمات مطاطية يسهل تطويعها.
قبل الثورة استخدمت كلمة العيب، لحماية ملك البلاد، وبعد الثورة اتفقوا على كلمة «هيبة»، والهيبة فى قواميس اللغة من هاب بمعنى خاف، والهيبة: وقار، وإجلال، ومخافة. وهذه الكلمات فى مجملها تقديرية، تعين بسهولة على توجيه الاتهامات، وفى لحظة يكتشف المواطن أو الإعلامى أو الصحفى أنه مس أو خدش أو انتهك وقار أو إجلال أو مخافة أحدهم أو إحدى المؤسسات، سوف يقسم مائة يمين بأنه لم يقصد خدش أو مس او انتهاك أحد، لن يصدق احد قسمه أو نفيه، لأن قيادات هذه المؤسسات والعاملين بها لا يعترفون بحس النوايا ولا يقبلون الرأى الآخر، بعضهم أو أغلبهم لا يقبل أن توجه له نصيحة أو رأى أو نقد، فهو يمتلك الحقيقة ولا يحتاجها من أحد.
مصر تمر خلال هذه الفترة بأوقات عصيبة، حالة من النفير العام والعصبية وعدم التسامح، لا أحد يرغب فى الإنصات لأحد، حالة من الترصد والتصيد والتأويل، كل منا يفكر فقط فى كيفية رفع السياج، وكيف يزيد من استحكامات الحصانة، حتى أن هيبة الأشخاص والهيئات والمؤسسات أصبحت أكبر من الوطن، وفوق المواطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف