كل يوم تعصف بنا مشكلة من صنع أيدينا وفتنة من سخف جهلنا.. البرلمان بدلا من حل المشكلات بالتشريع يصنع المشكلة ويصدرها للمجتمع.. الإعلام تحول إلي «طابونة» تعجن علي شاشاتها المشاكل والفتن ليلا وتقدم طازجة وبالألوان للناس لتكون سندوتشات اليوم الجديد التي نمضغها داخل المكاتب وعلي مواقع التواصل وفي وسائل المواصلات وعلي قارعة الطريق.. كل شيء مباح في مصر.. فتيات ليل في برنامج شهير لمدة ساعتين وثلاث، واحدة منهن سألها المذيع الشهير انت بقيت مشهورة؟ أجابت بعفوية ـ البركه فيك ياأستاذ محدش كان يعرفني ولما طلعت معاك مرة قبل دي الناس عرفتني.
رجل نصف عاقل يدعي أنه المهدي المنتظر تتلقفه فضائيات الفتن.. دعاة ينتشرون في كل الفضائيات وبرامج دينية مباشرة بالساعات وكأننا مجتمع يتعرف علي دينه الجديد.. واحد منهم يحمل جنسية عربية ويرتدي زيا بهلوانيا، وقد جاء من خلفية صحراوية بدوية لينير عقول شعب الأزهر والطهطاوي والامام محمد عبده والشيخ المراغي وطه حسين ونجيب محفوظ وهدى شعراوي وسهير القلماوي وعائشه عبد الرحمن.. هذا الداعية شاهدت صوره، أكثر من خمسين «بوستر» إعلانيا لبرنامج رمضاني، لكن المثير للاستهجان أن صورهذا الداعية موزعة بين صور نجمات ونجوم الدراما فوق كوبري أكتوبر، هذا معناه أن الدعوة تحولت الي سلعة تجارية ليس مهما محتواها - المهم الشكل الذي ستقدم به، ومولانا القادر علي الابهار وتغييب الوعي علي شاشة قنوات تم الترويج لها أنها التي ستستعيد هويتنا وإذا بها تنهش لحم هذه الهوية ليل نهار.
آخر كوارث الشيوخ كلام صريح لوكيل وزارة الأوقاف الدكتور سالم عبد الجليل، وهو أحد الأزاهرة البارزين.. شيخنا باختصار في معرض شرحه للآية 91 من سورة آل عمران قال إن اليهودية والمسيحية عقيدة فاسدة وان من يدينون بهما كفار وأن المشايخ الذين يقولون لليهود والنصاري أنتم مؤمنون يضللونهم لأن عقيدتهم فاسدة.. الكلام صادم خاصة أنه جاء علي لسان أزهري له قدره بين الشيوخ ـ الكلام صادم لي كمسلم قبل أن يكون هكذا لأي قبطي لأن تكفير أي دين لأصحاب العقائد الأخرى ينسف فكرة هذا الدين ويفرغه من أي مضمون قدسي أو إنساني.. الدكتور سالم يقول إنه كان أمينا في شرحه لآية قرآنية، وأنا أقول له ياسيدنا الشيخ أنت ونحن نعلم بأن القرآن نزل نصا غير مشروح، ولو قصد الله أن يكون لكتابه تفسير واحد لأنزله مشروحا.. التفسير إذن فعل دنيوي بشري وأن كلام الله لغة ومعنى لانستطيع أن ندرك معانيه ومقاصده وإلا تساوي العقل الانساني مع التدبير الإلهي.. الإسلام ياسيدي لايجب أن يكون سيفا بيد رجل الدين يضرب به أعناق الآخرين.. الاسلام كعقيدة وشريعة أسمى وأرقي من عصبية شيخ أو تهافت داعية.. هل يعلم الدكتور سالم عبد الجليل أن الطبري روى أن الوليد بن عبد الملك طلب من إمبراطور الروم مساعدته في بناء مسجد دمشق بإرسال فنيين يشاركون في أعمال البناء.
هل يعلم الدكتور سالم عبد الجليل أن اهتمام المسلمين البالغ بعلوم الأقدمين من يونان وغيرهم لم يكن ترفا فكريا بل كان خطوة أساسية في بناء الحضارة التي أضاءت شعلتها جنبات الأرض أيام ازدهار الدولة العباسية حين حملت نخبة من علماء المسلمين ينتمون لمختلف بلدان العرب والعجم شعلة الحضارة الاسلامية لتصبح هذه الحضارة لفترة من الزمن المركز الحقيقي للعالم في جميع المجالات.. وأخيرا هل يعلم الدكتور سالم عبد الجليل لماذا غربت شمس الحضارة الاسلاميه بعد توهج؟ لأن عصرا من الانغلاق والتخلف كان قد أطل بوجهه الكالح قبل ثمانمائة عام من الآن.. عصر هجر فيه العقل الاسلامي شواطئ التفكير إلي صحاري التكفير.