هل أتاك حديث الأسري الفلسطينيين في سجون إسرائيل المضربين عن الطعام منذ عدة أسابيع.. يخوضون معركة "الأمعاء الخاوية".. إنهم فتية آمنوا بربهم وبعدالة قضية وطنهم المحتل فزادهم الله هدي وشجاعة وقدرة وإرادة.. يبلغ عددهم أكثر من 6 آلاف أسير يمثلون كل فئات وطوائف وفصائل الشعب الفلسطيني البطل.. يجمعهم اسم فلسطين الجريحة ولا تفرقهم الانتماءات الدينية والسياسية والعرقية.. ولا تشغلهم ألاعيب المفاوضات والمساومات التي مزقت الصف الفلسطيني.. ولم تحقق انجازاً يذكر علي مدي عشرات السنين الماضية.
هؤلاء الأسري هم الذين يحملون الآن أمانة القضية الفلسطينية وهم خلف الأسوار.. وأعادوا لها اعتبارها في العالم كقضية شعب يناضل من أجل الحصول علي حريته وكرامته وتحرير وطنه المحتل وليست قضية سلطة وهمية تبحث عن تمويل ووظائف وتنسيق أمني لحماية جيش الاحتلال من غضبة ضحاياه.. واستطاعوا بصمودهم الأسطوري أن يجعلوا سجانيهم في وضع المساجين.. وأن يكشفوا للعالم جرائم الاحتلال ضد الشعب الأعزل المحاصر المسجون.
بدأ القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي حملة الإضراب عن الطعام قبل أسابيع تحت عنوان "الجوع ولا الركوع".. وسرعان ما انضم إليه المئات ثم الآلاف من الأسري من الرجال والنساء والشيوخ والشباب والأطفال.
ومعروف أن البرغوثي من قيادات حركة فتح البارزين.. ويعتبره كثيرون مانديلا الفلسطيني بعد أن صار رمزاً لنضال الشعب الفلسطيني بجميع فصائله.. وقد انضم إليه في الإضراب عن الطعام أسري حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".. وهو ما جعل الشعب الفلسطيني يداً واحدة من جديد.. وجعل من صرخة "الجوع ولا الركوع" شعاراً للفلسطينيين أينما كانوا في الوطن المحتل بأكمله.. ورفع صوت الإضراب عالياً حتي وصل إلي العواصم الغربية الكبري ليحاصر صوت إسرائيل المزور الذي يسعي لتحويل القضية الفلسطينية من قضية شعب ووطن محتل إلي قضية إرهاب وأمن وسلام.
ويمثل مروان البرغوثي خياراً مختلفاً داخل حركة فتح.. يناقض الخيار الذي يمثله الآن محمود عباس رئيس ما يسمي بالسلطة الوطنية الفلسطينية التي هي في الواقع ليست سلطة.. وتحولت علي يديه وأيادي أتباعه إلي ملهاة كبيرة تدعو إلي السخرية ولا تليق بنضال الشعب الفلسطيني وتضحياته.. كما يناقض الخيار الذي يمثله محمد دحلان صديق الإسرائيليين والأمريكيين الذي تسعي بعض الأنظمة العربية إلي تنصيبه رئيساً للسلطة الوهمية بديلاً لعباس الذي كبرت سنه واستنفد الأغراض التي جاء من أجلها.. ولا يختلف دحلان كثيراً عن عباس إن لم يكن أسوأ منه بتاريخه التآمري والاتهامات التي تحاصره.. ومن هنا كان اهتمام إسرائيل بالمعتقل الأبدي مروان البرغوثي بما يحمله من أمل النضال الفلسطيني ولوحدة الشعب المشتت.
البرغوثي هو خيار التكامل بين المقاومة والعمل السياسي.. خيار النضال بالبندقية وغصن الزيتون.. خيار الشهادة والفداء مثل كل الشعوب الحية.. فقد كان مسئولاً عن تنظيم فتح السري زمن الانتفاضة.. وكان هو المنظم المختار من قبل ياسر عرفات لقيادة "كتائب شهداء الأقصي" وغيرها من المجموعات المسلحة القريبة من فتح.. لذلك تخشاه إسرائيل وتحرص علي عدم خروجه من السجن ولا تسمح بوضعه في قوائم تبادل الأسري مطلقاً.. ولكن إبداع البرغوثي في إضراب "الجوع ولا الركوع" نجح في تحويل عذابه وعذاب زملائه الأسري إلي سوط تعذيب لإسرائيل نفسها.