بعد تشكيل الهيئة الوطنية للإعلام لابد لنا أن نشارك بالتفكير مع البرلمان، ومع المسئولين عن التخطيط لهذه الهيئة، في وضع تصور يسمح لها بالانطلاق، لأن مستقبل الإعلام الحكومي يخص مصر كلها ولا يخص أعضاء الهيئة وحدهم. وأري أنه لكي ينهض هذا المبني فلابد أن تبادر الحكومة بإجراءين لا غني عنهما، الأول : إلغاء الديون المتراكمة علي ماسبيرو، والثاني : اعتبار الهيئة الوطنية للإعلام هيئة خدمية وليست هيئة اقتصادية، والفرق بين الاثنتين كبير، فالهيئة الخدمية تحصل علي ميزانية سنوية من الحكومة، أما الهيئة الاقتصادية فتنفق علي نفسها من أرباحها. ومن المناسب أن أوضح نقطتين مهمتين في هذا الصدد. أولاهما : أن الحكومة المصرية حين أنشأت الإذاعة عام 1934 خصصت لها إعانة سنوية قدرها خمسة آلاف جنيه، وكان الجنيه المصري وقتئذ يساوي ثمانية جرامات ونصف جرام ذهباً، أي تزيد قيمته عن خمسة آلاف جنيه من نقودنا الحالية، أي أن قيمة الإعانة السنوية للإعلام الوطني كانت تساوي خمسة وعشرين مليون جنيه بمعيار زماننا. وهذا يؤكد أن الإذاعة الرسمية لم تستغن يوما عن الدعم الحكومي. وثانيهما : أن كثيرين من أصحاب القنوات الخاصة يتحملون خسائر كبيرة كي تتمكن من الاستمرار. باختصار ماسبيرو في حاجة لميزانيات حكومية للصرف عليه كلياً الآن، وجزئياً في المستقبل، ودون هذين الإجراءين الأساسيين لن تقوم لماسبيرو قائمة.
لابد للهيئة الوطنية أيضاً أن تفتح باب المعاش المبكر للمجموعات الإدارية والكتابية والخدمات المعاونة، وكذا لابد من فتح باب النقل للوزارات الأخري بالدرجة، بحيث نقلل عدد العاملين لأقصي حد. ومن المهم بالتوازي مع هذا كله من تقييم هذا الكم الهائل من المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية الحكومية التابعة للهيئة، للتعرف علي مدي الاستماع إليها أو مشاهدتها، ومدي تأثيرها. ومن حسن الحظ أن هناك مؤسسات تقوم بقياس المشاهدة، وترتب القنوات طبقاً لعدد جمهورها، بل ترتب البرامج داخل القناة الواحدة، أي أن التقييم ليس معضلة. المسألة تحتاج لقرارات جريئة، بشرط أن تكون مبنية علي دراسة. في الإذاعة مثلاً، تعالوا نسأل كم عدد الجمهور الذي يسمع إذاعة الكبار ؟ تعالوا نسأل : كم عدد الطلاب الذين يستفيدون من الإذاعة التعليمية ؟ وكذلك الإذاعات الموجهة، لقد افتتحنا هذه الإذاعات في عهد عبد الناصر، خلال فترة المد الثوري للتواصل مع الشعوب الباحثة عن الحرية، والآن بعد أن حصلت الشعوب علي استقلالها، هل تجد هذه الإذاعات من يهتم بالاستماع إليها ؟ قال لي الصديق الإذاعي الكبير محمد مرعي إنه كان يجري بحثاً عن الإذاعات الموجهة منذ سنوات فاكتشف أن معظم هذه الإذاعات معطلة هندسياً، ولا يسمعها غير المذيع الموجود في الاستديو. وما يقال عن الإذاعات الموجهة يقال عن إذاعة صوت العرب، هل الأمر يحتاج لإذاعة كاملة تعمل علي مدار اليوم؟ أضف إلي هذا : هل تقوم الإذاعات المحلية بدور مهم في التنمية المحلية، أم أن الأمر غير ذلك ؟ التقييم العلمي يجب أن يكون هو الفيصل في تحديد ما يجب أن يبقي، وما يحتاج لتطوير، وما ينبغي التخلص منه. وبالنسبة للتليفزيون، هل نحن في حاجة لكل هذه القنوات ؟ كم قناة تجد لها موضعاً بين العشرة الأوائل في قائمة ترتيب القنوات التي يعتمد عليها المعلنون ؟ علي قدر علمي فإن القناة الأولي فقط هي التي تظهر في هذه القائمة، أما ما عداها فلا وجود له. لذلك فلابد من إعادة النظر في هذه القنوات في ضوء تقييمها علمياً
ولا يصح أن ننسي الحديث عن قطاع الإنتاج الذي توقف عن الإنتاج، وصوت القاهرة التي تعافر من أجل الاستمرار، كيف يمكن أن نتصرف معهما، بحيث يكونان وسيلة لبناء الإنسان المصري ؟
أعرف أن ما أقوله سيكون صادماً لبعض الأصدقاء الإعلاميين، لكن المصلحة الوطنية عندي هي الأهم، وأرجو أن نواجه أنفسنا بشجاعة.