التحرير
سماح صبرى
حول قوة الصين المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية
دار جدل واسع فى تسعينيات القرن الماضى وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي بشكل مفاجئ حول قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على قيادة العالم منفردة. وكان عدد من الخبراء السياسيين يرشحون الدولة الألمانية للمشاركة فى القيادة، بينما آخرون يراهنون على القوة الاقتصادية للاتحاد الأوربي، حيث إن نصيبه من حجم التجارة الدولية جعله مرشحا للهيمنة وفرض القرارات على المجتمع الدولي، ولم تكن الصين آنذاك تنافس في صدارة المشهد السياسي العالمي. لكن الأحادية القطبية الأمريكية استطاعت على مدى العقدين الماضيين فرض سيطرتها وزعامتها على العالم. فكيف استغلت الولايات المتحدة الأمريكية قوتها خلال هذه الفترة؟! استحوذت الولايات المتحدة على نسبة كبيرة من الاستثمارات العربية والأجنبية، وتصدرت العالم في مجال إنتاج وتصدير التكنولوجيا والمعدات الثقيلة والدواء والسلاح. وتزعمت حروبا فى مناطق متفرقة من العالم، بداية من العراق وأفغانستان والبوسنة، مرورا بدعم الحرب على اليمن ثم التدخل العسكري لحلف الناتو فى ليبيا فى ٢٠١١ على سبيل المثال. ولم تكشف هذه الحروب إلا عن نيات الولايات المتحدة فى استعراض قوتها وتثبيت زعامتها على العالم. بالإضافة إلى أغراض التلاعب فى الشئون الداخلية لهذه الدول لخدمة مصالحها. وصاحب ذلك انتعاش اقتصادي غير مسبوق للاقتصاد الأمريكي، حيث نشطت تجارة السلاح التى تحتل الولايات المتحدة المركز الأول فى صادراتها بنسبة تتراوح بين ٣٠٪‏ إلى ٣٣٪‏ من تجارة السلاح العالمية، وبعائد يقدر بنحو ٢٣ مليار دولار سنويا. إلا أنني ألمح معالم السياسة الأمريكية آخذة فى التحول حاليا بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية الذي يصدر قرارات مثيرة للجدل تقابل بمعارضة داخلية عنيفة وخارجية حذرة، غير مبالٍ بالاتفاقيات والمنظمات الدولية. كما يوجد بكثافة وقوة عبر تصريحاته وأفعاله في ساحات النزاع والصراعات. قامت أمريكا أيضا بضربة عسكرية خاطفة على سوريا، وقصفت شرق أفغانستان بأقوى قنبلة أمريكية غير نووية. إلى جانب دعم تسليح الأكراد بحجة القضاء على المجموعات المتطرفة، بينما تتأجج الفتن وتشتعل الأزمة على أرض الواقع بين جميع الأطراف. ترامب أيضا تواجهه مشكلة اللاجئين من الحدود الجنوبية لبلاده، علاوة على موقفه المتأزم مع كوريا الشمالية، وتصريحاته الاقتصادية حول عجز الميزان التجاري الأمريكي مع كل من ألمانيا والصين، ومطالبتهما بضرورة إلغاء الإجراءات الحمائية التي تتبناها الدولتان للحد من تضرر الاقتصاد الأمريكي، على حد تعبيراته.

هنا يجب أن نشير إلى الصين كقوة اقتصادية جديدة تتسلل بتأنٍّ وإتقان إلى زوايا العالم لتلعب دورا قياديا مؤثرا في تنمية الدول النامية، خاصة الإفريقية. ولم يكن طلب الرئيس السابق أوباما للصين بالمساعدة فى قضايا كوريا الشمالية أو شراء سندات حكومية أمريكية سوى قراءة واقعية شديدة الذكاء لما ستؤول إليه الأمور بعد فترة. فنمو الاقتصاد الصيني بازدهاره أو انكماشه له قدرة على قلب موازين حركة التجارة العالمية والتأثير على معدلات النمو فى مختلف دول العالم. هناك عدد من الخبراء قد تنبؤوا منذ سنوات بقدرة الصين على تجاوز التفوق الاقتصادي والعسكرى الأمريكي مثل مارتن جاكز وجولدمان ساكس ولويل هتون. ومن المؤشرات الدالة على ذلك، المضي قدما في إنجاز طريق الحرير التجاري لربط القارات الثلاث إفريقيا وأوربا وآسيا، وتنشيط حركة التجارة بينهم، وفتح مجالات جديدة للاستثمار الأجنبي. وقد نشر أنها قامت بتوقيع حوالي ٩٥٢ عقدا مع ٦١ بلدا على طول الطريق وتجاوزت قيمة العقود مبلغ ١٤.٣٩ مليار دولار. مما أدى إلى زيادة كبيرة في نمو صادراتها في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري التي بلغت قيمتها الإجمالية نحو ٣.٤٧ مليار دولار. كما أطلقت الصين البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية عام ٢٠١٥ والذي شهد نموا مطردا منذ أن رحبت به ١٣ دولة جديدة في مارس الماضي، من بينها بلجيكا وكندا وأيرلندا، ليبلغ مجموع عدد أعضاء البنك ٧٠ عضوا. وفي الوقت نفسه، تتولى الصين توجيه ودعم البنك الجديد "بريكس للتنمية" لتنمية اقتصاديات الدول الناشئة لمجموعة البريكس، والذي تأسس عام ٢٠١٤، وأسهمت فيه بنحو ١٠٠ مليار دولار من رأس المال المبدئي. وهي خطوات يراها الكثيرون أنها تتم لمنافسة مؤسسات التمويل الدولية الخاضعة للولايات المتحدة الأمريكية وللخروج من قبضتها المالية. فإذا أخذنا في الحسبان اتجاه الاتحاد الأوربي إلى التجزؤ والأزمات المالية التي تواجه البلدان المصدرة للنفط، وعلى رأسها السعودية -أولى الدول العربية شراء للسندات الأمريكية وأكبرها استثمارا- إضافة إلى المعارضة الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية للقرارات الرئاسية المفاجئة كعزل القضاة من المناصب، ومنع منح تأشيرات لمواطني بعض الدول الإسلامية، ومهاجمة وسائل الإعلام المحلية، وتغير البرنامج الصحي، وتعديل النظام الضريبي والتي تم وصفها جميعا من معارضي ترامب بالتهور الإداري، يمكن القول إذن: نحن أمام مرحلة جديدة عالميا بقيادة الصين فى طور النمو سيحسم ملامحها الأربع سنوات القادمة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف