فى حالتى التميز الشديد أو اليأس المتمكن، ينتهى المطاف بالذئب المنفرد فى دورة حياته إلى ساحات الجهاد المركزية فى العراق أو سوريا، وتكون قطر محطة (ترانزيت) فى مسار الرحلة، وتكمن الميزة الحقيقة فى تدريب الذئاب المنفردة داخل الأراضى السورية أو العراقية فى كونهما ساحات تمتاز بتمركز قيادات التنظيم والخبرات العالمية للتنظيم فى جميع المجالات، فضلاً عن سهولة الحركة بعيداً عن التعقب والرصد وتسمح بتعامل (الذئب المنفرد) مع جميع أصناف الأسلحة والمعدات الحربية الخفيفة والثقيلة وتجريبها فى ميادين قتال مفتوحة غير خاضعة لأى معايير. وبعد أن يخضع الذئب المنفرد الجديد لعمليات التدريب المتطورة فى ساحة القتال الفعلية ــ العراقية أو السورية ــ يتولى التنظيم بعثرتهم على الخريطة العالمية وفق أولويات التنظيم ومناسبة الذئب وإمكاناته مع البقعة المستهدفة.
وبحسب شهادات متعددة فإن ملامح عمليات الذئاب المنفردة على خريطة العالم يتم رسمها كاملة داخل الأراضى السورية أو العراقية حتى لو لم يكن الذئب المنفرد مقيماً فيهما. وتسير عملية إطلاقها عبر مراحل أولها تقارير (لجان الرصد) والتى يكون عملها داخل الدول المستهدفة لتحديد الأهداف وفق (الأهمية ــ الموقع ــ طبيعة التأمين ــ نقاط الاختراق ــ الأوقات الأناس للاستهداف)، وتبدأ المرحلة الثانية فى ضوء تحليل المعلومات الواردة من (لجان الرصد) ليتم تحديد نوعية الأسلحة المناسبة للهدف وموقعه ورقعة التأثير المطلوب وعدد الضحايا. ويلى ذلك فعل (فريق التسليح) الذى تنحصر مهمته فى إعداد ما يلزم لتنفيذ مهمة الذئب المنفرد الذى يكون دوره فى هذه المرحلة هو (معرفة آلية التواصل مع إمدادات التسليح -كيفية التعامل مع السلاح حال وصوله إليه). ويعقب ذلك مرحلة توفير الوثائق والهويات اللازمة حتى وصول الذئب إلى الهدف داخل الدولة المستهدفة، ثم تبدأ مرحلة الإعداد الشخصى للذئب وخلالها يرسم التنظيم بدقة كل ما يخص شكل الذئب المنفرد فى رحلته صوب تنفيذ المهمة مثل الملابس التى يتوجب على الذئب المنفرد التحرك بها قبل التنفيذ ويوم التنفيذ، وتغيير ملامح الذئب المنفرد بما يناسب المهمة التى تتطلب أحياناً وشم صليب أو ما شابه، وأخيراً يتم (التجهيز المالي) للذئب حيث ترصد اللجنة المالية المبالغ المطلوبة لجميع المراحل السابقة وتحدد كيفية إيصالها. وهكذا يتوجه الذئب المنفرد إلى البلد محل التنفيذ وفق الخطة المرسومة له منذ بداية خروجه من سوريا أو العراق وصولاً إلى تنفيذ العمل الإرهابى الذى تم تكليفه به.
ولا يقتصر فعل اصطياد (الذئاب المنفردة) على الذكور دون الإناث، فالنساء مستهدفات كما الرجال، وإن كانت عمليات التدريب لا تحتاج الذئبة للخروج من مصر، لأن مناط التنفيذ المحدد للذئبات هو عمليات محدودة باستخدام متفجرات بدائية الصنع أو أسلحة خفيفة، وعادة ما يتم التدريب عليها داخل المنازل وفى هذا الصدد لابد من ذكر نموذج الطبيبتين المتهمتين فى (الهجوم على سفارة النيجر) فلم يكن مستهدفهما الهجوم على السفارة بل استهداف قوة تأمين السفارة من الضباط والجنود المصريين، وكان مخطط العملية الأساسى (الإجهاز على قوة التأمين من خلال الاعتداء عليهم برشاش آلى وسحب متعلقاتهم من الأسلحة كغنيمة حرب).
رغم تعرض هذه السلسلة تفصيلاً لصناعة الذئاب المنفردة داخل تنظيم داعش، فإن هذا لا ينفى عمل كل تنظيمات الدين السياسى على استقطاب منفذين لخططها وداعمين لمستهدفاتها بحيث يتحولون إلى ذئاب منفردة تنفذ العمليات الخادمة للمخطات دون ارتباط مباشر مع التنظيم ، وبالتالى يمكن تحديد ثلاثة أنواع من الذئاب المنفردة.
أولها هو (ذئاب داعش المنفردة) وهى التى تتبع التنظيم الأم فى العراق، ولها وسطاء خاصون بها، ومستهدفاتها مؤسسات الدولة كاملة و المدنيين من كل الفئات والطوائف وكل من لم يعلن بيعته للتنظيم أما مناط عملها فهو كل ربوع مصر والعالم. وهى أكثر الذئاب المنفردة خبرة وأشدها خطورة ومدعومة بأسلحة متطورة جداً .
والنوع الثانى هو (ذئاب ولاية سيناء المنفردة) ومناط عملها الأساسى وهو (منطقة سيناء ورجال المؤسسات الأمنية المعنيين بالوضع هناك سواء كان وجودهم داخل سيناء أو خارجها إضافة إلى كل من يعاون المؤسسات الأمنية من مدنيين، وتعتمد على مجندين مؤمنين بفكرة الجهاد باسم الإسلام وتعتمد على أسلحة يتم أغلبها بتصنيع محلى أو مهربة أو مسروقة.
وآخر الأنواع هى (ذئاب الإخوان المنفردة) وهم نتاج اللجان النوعية التى أنشأها التنظيم بعد فض تجمع رابعة واستدماجها داخل هياكل التنظيم مكتب الإرشاد المؤقت (اللجنة الإدارية العليا) فى هياكل 2014 تحت إشراف القائم بأعمال المرشد السيد محمود عزت. وعندما انفضح قضائياً علاقتها بالتنظيم تم إلغاؤها من هياكل عام 2015م بعد فشل خطة إسقاط الدولة فى 25 يناير 2015، وتستهدف ذئاب الإخوان المنفردة، بالدرجة الأولى إحداث حالة إرباك وإنهاك للأجهزة الأمنية، معتمدة على أسلحة خفيفة ومتفجرات ومناط عملها محدد فى رموز الدولة الرسمية ومنشآتها، وأغلب أعضائها يرى أن قيادة التنظيم تخاذلت عن الجهاد الحقيقي، ونصرة الدين، ويصل بعضهم إلى تخوين وتكفير قيادة التنظيم، بينما يرى البعض منهم أن الضغط على الدولة من خلال العمليات المسلحة البسيطة سيؤدى فى النهاية إلى إعادة التنظيم إلى الساحة السياسية، لكنهم قابلون للتطور والالتحاق (بداعش).
إن واقع الخطر الذى تفرضه (الذئاب المنفردة)، يؤكد حاجة النظام المصرى خاصة والأنظمة العربية والإسلامية على وجه التحديد إلى مشروع متكامل لمواجهة ظواهر التطرف التى باتت أكثر تطوراً من آليات متابعتها وملاحقتها. مع ضرورة عدم التفريق بين التنظيمات الإرهابية على كل توجهاتها وبين التنظيم الأم (الإخوان) لأن هكذا تفريق يجعل كل مواجهة للتطرف غير الإخوانى غير ذات جدوى مع بقاء المحضن الأصيل الذى يفرخ كل يوم صنوفاً جديدة من الإرهاب بمسميات مختلفة.