الأخبار
عبد الحليم قنديل
رماد اليمن
حرب التحالف السعودي تواصل عامها الثالث في اليمن، ودون أن تبدو لها من نهاية مريحة. وكل يوم، يحدثونك عن انتصارات، وعن انحسار رقعة الأرض التي يسيطر عليها تحالف الحوثي وعبد الله صالح، ولكن دون تغيير جوهري في المعادلة، فالحوثيون وصالح لايزالون علي قوتهم في صنعاء وما حولها، وفي تعز والحديدة وغيرها، والمفاصل الحيوية في الشمال اليمني لاتزال في أيديهم، ولا يزال بوسعهم أن يحاربوا ربما لأعوام طويلة مقبلة.
وما من شئ حاسم تغير، فلم يجر إلي الآن تثبيت الشرعية المفترضة للرئيس عبد ربه منصور هادي، ولايزال الرئيس الافتراضي مقيما خارج اليمن كله، وحكوماته التي يغير ويبدل كثيرا في شخوصها، لاتزال تفضل سكني الفنادق الفخمة في الرياض واسطنبول وغيرها، بينما لا تنقطع إغارات جماعة الحوثيين وصالح علي الحدود السعودية، وتدفع السعودية من دمها مقابل دمار اليمن اللانهائي، وتدفع من مالها عشرات المليارات من الدولارات، مرشحة للتزايد إلي مئات المليارات، عرضت السعودية دفعها إلي إدارة ترامب الأمريكية، مقابل صفقات سلاح فوق طاقة الاستيعاب الذاتي، وما من فرصة لاستخدامها ضد إيران نفسها بالطبع، بل ضد جماعة الحوثي الموالية لإيران في اليمن، ودون أن يسلم الحوثيون بالهزيمة، ولا أن يرفعوا رايات الاستسلام البيضاء، فليس لهم من مهنة سوي الحرب، وفي بيئة يمنية زادت فقرا وإنهاكا وهلاكا بالأوبئة الفتاكة، تتحول فيها بنادق القبائل إلي عكس الاتجاه، إذا توقف الممولون أو عجزوا عن استمرار الدفع السخي، وهو ما يراهن عليه صالح والحوثيون.
وليس سرا وجود خلافات في التحالف المحارب باليمن، فالإمارات تكره جماعة الإخوان، ولا تطيق وجود عناصر حزب الإخوان اليمني (المسمي بالإصلاح) في حكومة هادي، بينما السعودية تعتمد جوهريا علي إخوان اليمن، والأخيرون بدورهم يريدون المزيد من استنزاف المال السعودي، ويقومون بأدوار الوساطة، وإيصال دفاتر الشيكات للقبائل، وعلي أمل استمالتها إلي حروب صحراوية لا تنتهي مع الحوثيين، وتحويل الحرب كلها إلي صدام طائفي دموي، لم يظهر فيه الإخوان مقدرة تذكر علي مجاراة الحوثيين في حروب السلاح، ويهرب قادتهم إلي فنادق العواصم الرديفة، وإلي لعب أدوار مريحة مخملية في وسائل إعلام خليجية، بينما مجموعاتهم المسلحة يجري دحرها في اطراد، وتخيب مراهنات رجلهم ـ علي محسن الأحمر ـ علي السقوط السهل لصنعاء، والتي صدقها التحالف السعودي، وكافأ الأحمر بتعيينه نائبا للرئيس هادي، وهي العقبة التي سعي »ولد الشيخ»‬ مبعوث الأمم المتحدة لإزالتها، وكشرط لا غني عنه لإجراء أي مصالحة قد تهدئ الأوضاع في اليمن.
قنبلة أخري أخطر تحت سرير التحالف في اليمن، هي الحراك الجنوبي، ونزعة الانفصال المتنامية عن الشمال اليمني، وإنشاء دولة جنوبية علي الأراضي التي جلت عنها قوات صالح والحوثيين، وقد كان الشقاق موجودا دائما، ومنذ بداية الحرب اللعينة الجارية، وإلي أن تفجر أخيرا بإعلان تشكيل مجلس »‬عيداروس» الانتقالي، وتداعي مظاهرات الانفصال بمشاركة مئات الآلاف، وفي قلب »‬عدن» التي يتصورها هادي عاصمة مؤقتة لحكومته، مع أن هادي هو الآخر من الجنوب، لكنه لا يحظي سوي بتأييد محدود ومدفوع الأجر غالبا، فقد كان هادي هو رجل علي عبد الله صالح في حرب أواسط التسعينيات من القرن العشرين، والتي اعتبرها الجنوبيون غزوا شماليا لمحافظاتهم، كان صالح فيها صنوا وحليفا للإخوان والجنرال عبد ربه، والمعني ببساطة، أن رغبة الانفصال عند الجنوبيين تبدو عارمة، خصوصا مع استطالة أمد الحرب، ووضوح صعوبة ـ ربما استحالة ـ حسمها لصالح هادي المدعوم من الرياض، بينما لا تبدو »‬الإمارات» عند الموقف نفسه بالضبط، ولا تداري تفهمها النسبي لمطالب الجنوبيين، وتواصل دعم قوات يمنية بعيدة عن نفوذ الإخوان، وإن كانت تفضل بقاء الخلافات الأخوية مع السعوديين مكتومة، وتشارك في إصدار بيانات عمومية باسم مجلس التعاون الخليجي، تؤكد علي ألفاظ ـ لا معاني ـ الشرعية والوحدة والسلام في اليمن (!).
والخلاصة تبدو ظاهرة وصادمة، فقد تحولت حرب اليمن إلي جولات استنزاف مريع للقدرات السعودية، بينما يجري تدمير اليمن بشرا وحجرا في الوقت نفسه، وتحويله إلي منطقة ملتهبة علي الدوام، تزيد فيها المخاطر علي أمن دول الخليج المجاورة، وتنتعش فيها نزعات الانفصال والإرهاب من كل لون، وتكسب فيها »‬القاعدة» و»داعش» أرضا جديدة كل يوم، وتفتك »‬الكوليرا» بالسكان، ودون أن يبدو من شاطئ نجاة في الأفق المنظور، فلا شئ يبقي من اليمن سوي رماده.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف