زياد السحار
مجالس الصحافة والإعلام.. والاختبارات الصعبة
قلبي وعقلي مع المجالس العُليا للإعلام والصحافة وقد حظيت قرارات تشكيلها وخروجها إلي النور باهتمام بالغ سواء من العاملين في الوسط الصحفي والإعلامي أو من جموع المواطنين والرأي العام والمسئولين وقد اشتكي الجميع من الإعلام مر الشكوي وحمله الكثير من المشكلات التي تتفجر في مجتمعنا من وقت لآخر.
والكل الآن يترقب نتائج ملموسة علي أرض الواقع تواجه مشكلات مهنة الإعلام والصحافة وتضع حداً لحالة الانفلات الإعلامي والفضائي بعدما لم يعد يقدر عليه أحد في ظل سيطرة الإعلانات التجارية علي حساب قيم وآداب المجتمع ومصلحة الوطن.
ومع بداية عمل المجلس الأعلي وهيئات الصحافة والإعلام فإنها جميعاً تواجه اختبارات صعبة لعل أولها قدرتها علي تحقيق التوافق وتوحيد الرؤي للخروج بقرارات وحلول حاسمة وفي نفس الوقت مرنة تراعي الظروف الصعبة التي تعمل من خلالها مؤسسات الصحافة ووسائل الإعلام.. ولا سيما أن الأوضاع تبدو صعبة ومعقدة ولا سيما أن شخصنة الأمور صارت ظاهرة سائدة الآن في العمل العام مع تنوُّع المشارب والرؤي والأهداف وغلبة المصالح الشخصية علي المصالح العليا وتضخم الذات في الحقل الصحفي والإعلامي.
وبصراحة أشفق علي الزملاء الذين وقع عليهم الاختيار في هذه التشكيلات بالهيئات الثلاث أو الذين سوف يشغلون المواقع القيادية في المؤسسات الصحفية وفي وسائل الإعلام في الإذاعة والتليفزيون.. فالكثير منَّا إن لم يصادفه الحظ أو الحق في شغل مثل هذه المناصب فإنه سرعان ما يُعمل آلة النقد والانتقاد.
ولا أخفي توجساً من خطورة ألا تتعاون هيئات مجالس الإعلام والصحافة للخروج من مأزق وضعها فيه الدستور من تقاطع المهام والاختصاصات بين بعضها البعض وأيضاً التنسيق مع السلطة التشريعية ممثلة في لجنة الثقافة والإعلام وأيضاً بعض الأجهزة التنفيذية التي لا يمكن إغفال علاقتها بأجهزة الصحافة والإعلام.
***
والاختبار الثاني الذي تواجهه هذه المجالس هو من أين تبدأ مهامها المنتظرة وفي مقدمتها إصلاح منظومة المؤسسات الصحفية وقطاعات ماسبيرو وأبرزها القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية والاثنان في الهم سواء يعانون من التضخم العددي والمشكلات الاقتصادية وتحميل الدولة بأعباء مالية تزداد بصفة دائمة مع تراجع الأداء في ظل منافسة شرسة مهنية وتجارية مع الصحف الخاصة وشبكات القنوات الأخري التي يحكم الأداء فيها معايير يصعب تطبيقها مع كل مؤسسات وأجهزة حكومية لها حسابات خاصة وموازنات ومواءمات مثل أي شيء يتبع الحكومة.
والحقيقة أنني لم أكن أفضِّل أن يسارع أحد هذه المجالس بالإعلان عن الشروع في اختيار الأشخاص قبل وضع السياسات لأن الخضوع لرغبات ومصالح هو الحل الأسهل وأقصد بذلك ما تردد عن اختيار رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية حيث اخترق العديد من الزملاء كواليس هذه الاجتماعات وبدأت بورصة الترشيحات تشغل الاهتمام الأكبر في الأوساط الصحفية.. وللأسف صار رؤساء المؤسسات ورؤساء التحرير الحاليون في موقف لا يحسدون عليه في ظل سوءات كثيرة تظهر للأسف في الجماعة الصحفية أبرزها نفاق المرشحين وغلبة روح التشفي ومحاولة الانتقام من السابقين.
وكان يجب أن يسبق تلك الأطروحات القضية الأساسية التي جاءت من أجلها المجالس وهي الإصلاح الهيكلي للمؤسسات ووقف نزيف الإنفاق الحكومي الهائل عليها.
ولا أدري هل يمكن ذلك إذا ما قام المجلس المسئول بتعيين 56 قيادة صحفية جديدة لإصدارات فيها الكثير الذي لا تحتاجه السوق الصحفية.. وكان يفترض أن يتم فرز هذه الإصدارات ليبقي القادر منها علي المنافسة في السوق الصحفية وتقليص ما لا يحتاجه القاريء وتغيير آليته الورقية إلي إلكترونية تواكب التطور الحادث في العالم كله ولكننا للأسف نصل متأخرين مثلما حدث من قبل عندما كان القطاع الخاص ينشيء قنوات فضائية وكانت المؤسسات الصحفية تصر علي إصدار مجلات وملاحق تجاوزها الزمن.
***
ويبقي الاختبار الأصعب الذي يواجه مجالس الإعلام وهو حلول شهر رمضان المعظم حيث سوق الدراما الهائل وشكوي الناس من تحويل القنوات الفضائية هذا الشهر الروحاني إلي ليالي عبثية تتنافس فيها الشبكات علي عرض المسلسلات بمشاهد العري والألفاظ الخادشة للحياء في ظل غياب الرقابة خاصة في الشبكات غير الحكومية.
وقد كان الأمر مثيراً للضحك عندما عرضت إحدي هذه الشبكات برومو تشويقيا لمسلسل الفنانة هيفاء الذي سيُعرض في رمضان وسارع جهاز حماية المستهلك بتحرير محضر وشرع في رفع قضية لوقف المسلسل لما فيه من مشاهد مخلة لا تليق وآداب الشهر الفضيل.. ويبدو أن جهاز حماية المستهلك اختلط عليه اللحم البشري ولحوم الأبقار والدواجن والأسماك التي عجز عن السيطرة علي أسعارها في الأسواق.
باختصار.. إن المهام جسام وسط تحديات كثيرة تواجه وطننا ليس وحدها الفتنة والإرهاب ولكن مخاض ثورات عديدة أفرزت أسوأ ما فيها في الإعلام مرآة المجتمع ومعلم الجماهير.