الوطن
وفاء صتدى
الربيع الفرنسى
شهدت فرنسا والعالم، الأحد الماضي، يوما تاريخيا تم فيه انتقال السلطة من الرئيس فرانسوا هولاند إلى أصغر رئيس لفرنسا، منذ نابليون، وأحد أصغر القادة سنا في العالم، إيمانويل ماكرون.

استطاع ماكرون ذو الـ39 عاما، أن يصل إلى عرش فرنسا عبر حركة "إلى الأمام" التي شكلت ظاهرة سياسية جديدة في فرنسا، وتجربة يطمح من خلالها الفرنسيون إلى "التغيير"، من خلال القطيعة مع الأربعة عقود الأخيرة الماضية، والتي اعتبرت الأسوأ في تاريخ فرنسا، وبناء مستقبل جديد تم الرهان فيه على وجه شاب وحركة فتية، تحولت فيما بعد إلى حزب "الجمهورية إلى الأمام"، والذي سيشكل رقما جديدا في السياسة الفرنسية، بعيدا عن الأحزاب التقليدية.

عاشت فرنسا منذ انتخاباتها الرئاسية الأخيرة، والتي منحت ماكرون 66.1% من الأصوات، "ربيعا" لا يشبه "الربيع العربي"، بل كان ربيعا بنكهة الوعي والديمقراطية، القنطرة الوحيدة نحو التغيير، ليس عبر الثورات ولا الفوضى والهدم، وإنما عبر صنادق الاقتراع التي أوصلت ساكن الإليزيه الجديد إلى الحكم وهو الذي لم يكن يعرفه أحد، حتى من الفرنسيين، قبل ثلاث سنوات، ولم تكن لديه تجربة انتخابية سابقة، عدا شغله منصب مستشار اقتصادي للرئيس السابق ووزيرا في حكومته لمدة عامين، ولكنه تمكن من خلق المعجزة والفوز بالانتخابات الرئاسية من دون قاعدة شعبية أو دعم حزبي من الأحزاب التقليدية.

استطاع ماكرون، الذي مكَّنه طموحه وإيمانه بنفسه وحركته، وفطنته السياسية، من تجاوز كل العقبات وقلب كل السيناريوهات ومخالفة تحليلات كل المراقبين واستطلاعات الرأي، أن يخلق الحدث، مرة عندما قفز من الظل إلى قصر الإليزيه، ومرة أخرى عندما أقر أن نتائج الانتخابات لم تمنحه "شيكا على بياض"، بعدما تم تسجيل امتناع قياسي عن التصويت ونتيجة "تاريخية" لليمين المتطرف (33.9%)، ما يعني إدراكه حجم التحديات التي تنتظره وعلى رأسها إقناع الممتنعين والمصوتين لليمين المتطرف، والذين عبَّروا بطريقة غير مباشرة عن عدم ارتياحهم له، بوضع ثقتهم في الرئيس الجديد ومدى قدرته على الإصلاح و"التجديد السياسي"، الذي بنى عليه ماكرون حملته الانتخابية.

وأولى لبنات هذا التجديد هو عدم الخطأ في اختيار رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة تترجم رغبته في رص الصفوف وإصلاح فرنسا كما وعد بذلك، بالإضافة إلى تعزيز حضور تيار الوسط في المشهد السياسي الفرنسي، بغية تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات التشريعية التي تجرى شهر يونيو المقبل، حتى يتمكن من تنفيذ خططه الرامية إلى تقليل الإنفاق الحكومي وزيادة الاستثمارات وإصلاح نظم الضرائب والعمل والمعاشات، وهو ما دفع ماكرون إلى دعوة الناخبين إلى منحه "غالبية حقيقية، قوية" قادرة على التغيير، والتي ستكون بمثابة استفتاء آخر على برنامجه الانتخابي، بالإضافة إلى كونها السند التشريعي للرئيس والحكومة خلال الولاية الرئاسية المقبلة.

وربما ما سوف يساعد الرئيس الفرنسي الجديد على الحصول على هذه الغالبية هو فشل الحزبين التقليديين الرئيسيين، وهما الحزب "الجمهوري" ذو التوجهات المحافظة و"الاشتراكي" اليساري، في الوصول إلى جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، ما سيزيد من فرص ماكرون في الفوز بالأغلبية في البرلمان من خلال توسيع قاعدة تيار الوسط الذي ينتمي إليه، خصوصا أن الاشتراكيين يعانون من انقسامات داخلية، فيما أبدت شخصيات رئيسية في تيار الوسط بحزب الجمهوريين استعدادها للعمل مع ماكرون رغم اتهامها بـ"الخيانة".

وإلى جانب تشكيل أغلبية مريحة داخل البرلمان، تنتظر ماكرون ملفات كبيرة على رأسها التصدي للبطالة التي وصلت إلى 10%، ومواجهة الإرهاب، وإنعاش أوروبا، التي تمر بواحدة من أضعف مراحلها، وبالإضافة إلى هذا الثالوث ينتظر الرئيس الفرنسي ملفا ساخنا وملغوما وهو قانون العمل، الذي يعتبر خطا أحمر لعدد من النقابات، والذي ينوي الرئيس الجديد تبسيطه فيما يتعلق بمدة العمل وتعويضات الصرف، ما سيثير حفيظة النقابات، التي وإن كانت لا ترى مانعا في مراجعة القانون، إنما يبقى تخوفها من الطريقة ومن إمكانية تمرير الإصلاحات عبر مراسيم.

ويبقى على عاتق الرئيس الجديد مهمة أساسية وحاسمة وهي العمل على وحدة فرنسا والفرنسيين، بالإضافة إلى إعادة الثقة إلى المواطن الفرنسي واحتواء من يشعر منه بالإقصاء والتهميش، خاصة أن ماكرون وعد بتحرير العمل ودعم المؤسسات وتشجيع المبادرة وحماية المنسيين من حركة التغيير العالمية، هذا إذا كان ماكرون يرغب فعلا في بناء فرنسا الغد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف