مثلما استنفرت الدولة قواها.. وسخرت الإمكانات. ووفرت الأدوات.. وشحذت الهمم.. وحققت نجاحاً ملحوظاً في مكافحة الإرهاب.. كان لابد أيضاً أن تستيقظ وتقوم وتخطط وتنفذ للقضاء علي "أخطبوط الفساد".. الوجه الآخر من "العملة الفاسقة" التي تضرب أركان الاقتصاد القومي.. وتعطل موكب الإصلاح والتحديث.. وتعرقل قافلة البناء والتنمية!!
تضخم الفساد داخل أضابير المصالح والمؤسسات.. وتوغل الإهمال ليضرب معظم الأجهزة والمؤسسات.. واستشرت البيروقراطية في الجهاز الإداري للدولة.. فكانت الحصيلة تذبذب الأداء.. وانخفاض الإنتاج.. وانتشار الرشاوي. وسيادة المحسوبية والوساطة!!
حدث هذا.. في ظل احتلال "أشخاص" لمناصب عليا.. ومواقع حساسة.. مع أنهم يفتقدون لأهم الشروط والقواعد.. فالمهارة منعدمة. والكفاءة منحدرة.. والقدرة علي القيادة "مسلوبة".. ومن ثم انتقلت العدوي إلي المرءوسين وصغار الموظفين.. لتتضاعف المخالفات.. وتتوالي الخسائر.. وتزداد التعديات.. فضلاً عن سقوط مئات العاملين الفاسدين في مختلف الإدارات.. ممن كانوا يعرقلون المراكب السائرة.. ويقفون سداً منيعاً أمام مصالح المواطنين.. طالما عجزوا عن سداد "المطلوب".. إلي جانب جلوس أكثر من مليون ونصف المليون "عاطل" مقنع علي مكاتب الإهمال والتقاعس!!
لقد بدأ المشوار.. لكن القضاء علي فساد "عهود".. يستلزم خطة طموحة.. وإعداد متميز.. وعمل دءوب.. وصبر وتؤدة.. وإرادة مشتركة من المسئولين والمواطنين.. فأولي الخطوات بعد إعداد التشريعات والقوانين اللازمة للمواجهة.. تعظيم الدور الفعال للأجهزة الرقابية. ومضاعفة جهودها في الرقابة والتفتيش والمتابعة.. ثم لابد من استبعاد الأيادي المرتعشة والاعتماد علي قيادات تملك العلم والمهارة.. وهنا يأتي دور تلك القيادات.. كل في مكانه.. إذ واجب كل منهم أن يراعي الله.. في عمله وأدائه. فيحسن اختيار المعاونين من أهل الكفاءة والخبرة.. ويطبق قولاً وعملاً "مبدأ الثواب والعقاب".. يسلم المُجد مكافأة التميز والجودة.. ويبعث للمتقاعس بخطاب الخصم والخزي.. ويقتضي الأمر أن يسعي لتحديث وتطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية.. ويعيد توزيع الموظفين بما يتلاءم مع مصلحة العمل.
لا يتواني.. عن اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد المقصرين. والمزوغين. ويستبعد أي "عامل" يتخذ من البيروقراطية منهاجاً وأسلوباً.. ويستغني عن المستشارين الذين يكلفون الميزانية أموالاً طائلة. دون جدوي أو فائدة.. ويجب ألا يغلق "المكتب" دونه.. بل عليه أن ينزل لمواقع العمل والإنتاج.. يحفز موظفيه.. يراقب أداء عماله.. يتعرف علي مطالب الناس. ويجاهد لتلبيتها!!
أما المواطن.. فدوره لا يقل أهمية.. فواجبه أن يكف عن السلبية.. وفي نفس الوقت لا يلجأ إلي الأساليب الملتوية لإنجاز مصالحه.. ولا يغالي في مطالبه. ويحاول الحصول علي أكثر من حقه.. ويفرض عليه الولاء والانتماء أن يسارع ويشارك في مسيرة البناء والتنمية.. بالضمير الحي. والعمل المخلص. واليد النظيفة.
إن التحدي كبير.. ولن تنجح الدولة وحدها في قطع أذرع الأخطبوط.. وإنما بتكاتف الجميع.. قادة ومعاونين ومدراء وموظفين. ومواطنين.. وكذلك بتطبيق قواعد العدل والإنصاف. وبإعلاء كلمة القانون.. وبالعمل علي دفع عجلة الإنتاج. ورفع كفاءة الأداء.. لاسيما أنه كلما ارتفعت مستويات التنمية.. انخفضت معدلات الفساد.. والأهم تعليم الجيل الصاعد "ثقافة الشفافية" وحب العمل والإتقان.. وتحصينه بالقيم والمبادئ.. وتسليحه بالعلم والمهارة والكفاءة.. تلك الخصال الحميدة التي تمهد الطريق أمامه.. وتفتح له الأبواب لكي يتذوق ويستطعم حلاوة "الرزق الحلال".