نفي المهندس طارق الملا وزير البترول وجود قرار بزيادة سعر البنزين حاليًا.. مؤكدًا أنه لم يتم تحديد موعد سواء لزيادة السعر أو حتي الاتفاق علي نسبة الزيادة.. وأن خطة الوزارة لترشيد دعم البنزين تدريجيًا علي 5 سنوات ـ يقصد تخفيض الدعم وزيادة السعر ـ والتي بدأت عام 2014 ليس لها ارتباط بحصول مصر علي قرض صندوق النقد.
وجاء نفي الوزير ردًا علي تقارير صحفية ذكرت أن هناك اتجاهًا لزيادة أسعار الوقود بداية من يوليو أو أغسطس القادمين بنسبة تتراوح بين 25 و40% من الأسعار الحالية.. وذلك بالتوازي مع إجراءات أخري كزيادة أسعار الكهرباء.. وأن الحكومة ليس أمامها بديل آخر.
والواضح من كلام الوزير انه نفي أقرب إلي الإثبات.. فالرجل يؤكد ان الحكومة ماضية في خطتها لرفع الدعم تدريجيًا عن المواد البترولية رغم الكوارث التي حلت بالمواطنين وأشعلت الأسعار مرة بعد مرة.. حتي أصبحت الحياة مستحيلة علي قطاعات عريضة من معدومي الدخل ممن لا علاقة لهم مباشرة بالبنزين والمواد البترولية.. لكن بطبيعة الأمور ثبت ان اية زيادة في سعر البنزين والمحروقات عمومًا تشعل أسعار كل السلع والخدمات.. ودعك من أي كلام معسول يتردد بعد ذلك عن ضبط الأسواق ومراقبة الأسعار وحماية المستهلك.
وحجة الحكومة الجاهزة في كل مرة لرفع الدعم وزيادة الأسعار هي عدم وجود البديل لسد عجز الموازنة العامة للدولة.. لأنها لا تريد أن تري أي بديل آخر غير الضغط الدائم علي المواطن الفقير الذي يعيش بالكاد.. فهو في نظرها البديل الأسهل.. ومع ذلك فإن البديل متوافر وجاهز.. ولن يكلفها أكثر من بعض اهتمام وجدية.
وبالمناسبة.. هذا البديل الجاهز ليس مستوردًا ولا علاقة له أيضًا بقرض صندوق النقد الدولي ـ أو النكد الدولي ـ وإنما هو بديل محلي وطني جاء تفصيله في حوار عماد سامي رئيس مصلحة الضرائب مع الزميلة "أخبار اليوم" ونشرته علي صفحتين الأسبوع الماضي.. حيث أكد أن حجم التهرب الضريبي يصل إلي أكثر من 400 مليار جنيه سنويًا.. أي ما يوازي حوالي 25 مليار دولار سنويًا.
قال الرجل بصريح العبارة: إن الموظفين في الدولة الذين هم أقل الفئات دخلاً هم أكثر فئات المجتمع التزامًا بدفع الضرائب لأنها تخصم من المنبع.. وقبل أن يتسلم مستحقاته.. وقد تم تحصيل 28 مليار جنيه ضرائب من هؤلاء الموظفين خلال عام.. في حين تتفنن الفئات الأعلي دخلا من الفنانين والنخبة والمثقفين ولاعبي الكرة وكبار الأطباء والمحاسبين والمهندسين والإعلاميين في التهرب من سداد الضرائب.. حيث لم يتم تحصيل سوي 500 مليون جنيه من كل هذه الفئات في حين تؤكد الدراسات الضريبية ان الضرائب المستحقة عليهم لا تقل عن 10 مليارات جنيه سنويًا.
وأضاف: ان حجم التهرب الضريبي يصل إلي أكثر من 400 مليار جنيه سنويًا.. حيث من المتوقع أن يتم تحصيل 381 مليار جنيه فقط خلال العام الحالي في حين أن القيمة الحقيقية للضرائب المستحقة علي المواطنين تقدر بحوالي 800 مليار جنيه.. مما يعني انه يتم تحصيل 40% فقط من الضرائب المستحقة.
ـ من المسئول عن هذا الوضع المتناقض؟
الحكومة لا تتعامل مع الأمر بالجدية اللازمة.. رغم ما في جعبتها من الأسلحة التي يمكن أن تستخدمها لعلاج هذا الخلل.. وأبسط هذه الأسلحة إعداد قانون لاعتبار التهرب الضريبي جريمة مخلة بالشرف.. كما أن البرلمان الهُمام الذي يتحفنا بقوانين مروعة لم يشغل باله أبدًا بقضية التهرب الضريبي التي يمكن أن تمس أصحاب المصالح والمقامات الرفيعة.
الحكومة والبرلمان يلجآن إلي الحلول السهلة مثل رفع الأسعار وتخفيض الدعم عن الغلابة تحت شعار "الترشيد" وتحميل الطبقات الدنيا مسئولية الأزمات المتلاحقة علي أمل التخلص منهم ومن أعبائهم.. مع ان البدائل الأخري متاحة وجاهزة لو توافرت الإرادة السياسية.. وأولها ـ كما رأينا ـ مكافحة التهرب الضريبي وتحقيق العدالة وتخفيض فاتورة الفساد.