الأهرام
عبد الرحمن سعد
القرآن حياة
القرآن خير جليس، وخير من يواسي المرء، ولا يُوجد كتاب يقرب إلى الله أعظم منه. والحرمان الحقيقي الحرمان منه.. إنه "كتاب الكتب"، وفق وصف كثيرين، يبدأ بقوله: "ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ". (البقرة:2)، بينما يبدأ أي كتاب باعتذار كاتبه عن أخطائه.
ما أحلى أن يُسأل المرء يوم القيامة عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، فيجيب: "في تدبُّر كتاب الله، والعمل بما فيه". وقيل: "إذا أردت صلاح قلبك فأودعه رياض القرآن". وقال أحد السلف: "لم أرَ خليلا يرفع قدر خليله كالقرآن".

وقيل: "لا يعذب الله قلبا وَعَى القرآن"، ولم لا، وتلاوته عبادة. سأل أحد الصالحين تلميذه: "أتحفظ القرآن؟"، قال: "لا". فاندهش: "مؤمن لا يحفظ القرآن.. فبِمَ يتنعم، وبِمَ يترنم، وبِمَ يناجي ربه"؟.

قال خبَّاب بن الأرتّ لرجل: "تقرّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنّك لن تتقرب إليه بشيء أحبُّ إليه من كلامه".

وللقرآن حلاوة، حتى وصفه الوليد بن المغيرة، فقال: "والله إن لقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يُعلى، وإنه ليحطِم ما تحته". (قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط البخاري).

وقال الحسن البصري: "تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق".

وقال ابن القيم: "قراءة آية بتفكر وتفهّم، خير من قراءة ختمة بغير تدبّر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذَوق حلاوة القرآن".

ووصف سهل بن عبد الله التستري روعة القرآن فقال: "لو أُعطي العبدُ بكل حرف من القرآن ألف فهم, لم يبلغ نهاية ما أودع الله في آية من كتابه".

وقال ابن عطية: "لو نُزعت من القرآن لفظة، ثم أُدير لسان العرب في أن يوجدَ أحسن منها لم يوجد".

وأُوتي النبي، صلى الله عليه وسلم، جوامع الكلم، ومع ذلك لم يصل للمستوى المعجز للقرآنِ.

إنها أيام ونستقبل شهر رمضان المبارك، الذي أُنزل فيه القرآن، هداية للعالمين، فهو شهر القرآن، الذي ندعو الله أن يكون ربيع قلوبنا، وأن نكون من أهله، الذين هم أهل الله، وأن تتجدد حياتنا، وتتطهر أرواحنا، وأن تتصافى نفوسنا، بالنهل من معينه، والاغتسال بطيب مياهه، والتعطر بعبير لفظه، والاستشفاء بطب آياته.

قال موريس بوكاي، في مقدمة ترجمته للقرآن: "هذا هو الكتاب الذي ادخرته العناية الإلهية لبني البشر، وإنه ندوة علمية للعلماء, ومعجم لمن يطلب اللغة, ودار معارف لمن يطلب الشرائع، والقوانين".

أما المؤرخ الايطالي برنس جيواني بوركيز، فقال: "هذا الظلام الذي يخيم على حياة المسلمين، إنما هو من عدم مراعاتهم لقوانين "القرآن الكريم".

ذلك حق، فلم يكن عدد المصاحف بين يدي المسلمين، كما هو الآن، وبرغم ذلك لم يفعل القرآن في نفوسهم، ما فعله في نفوس أسلافهم.

من هنا قال سيد قطب: "إنَّ هذا القرآنُ لا يمنح كنوزه إلا لمن يُقبِلُ عليه"، فيما قال علي بن أبي طالب: "القرآنُ حمَّالٌ ذو وجوه".

أما محمد الغزالي فقال عنه: "كتاب تذكير إذا نسي الفكر، وإيقاظ إذا نام القلب، وتسديد على الطريق إذا اعوجّت الخطا".

وندم كثيرون على ما فرط من حياتهم في غير دوحة القرآن، فقال ابن تيمية في آخر عمره، وهو في السجن: "ندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن".

وقال محمد إقبال: "إنه كتاب حي خالد ناطق؛ إذا دخل في القلب تغير الإنسان، وإذا تغير الإنسان تغير العالم".

وناصحا، قال محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان": "إياك أن يزهّدك في كتاب الله؛ كثرة الزاهدين فيه، واعلم أن العاقل لا يكترث بانتقاد المجانين".

ولحامل القرآن آداب. قال الفضيل بن عياض: "حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو؛ تعظيما لحق القرآن".

وقال القرطبي: "ينبغي لحامل القرآن أن يكون لله حامدا، ولنعمه شاكرا، وله ذاكرا، وعليه متوكلا، وبه مستعينا، وإليه راغبا، وللموت ذاكرا، وله مستعدا".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف