أحمد كامل البحيرى
هل تمتلك مصر قواعد عسكرية في الخارج؟
تناقل بعض من وسائل الإعلام بعض الأخبار عن قيام مصر بإنشاء قاعدة عسكرية في إريتريا في منطقة (نورا) بجزيرة (دهلك) بالبحر الأحمر، تلك الأخبار قوبلت بنفي على لسان بعض المصادر المصرية، نشره بعض الصحف المصرية، فما بين أخبار منقولة عن مصادر غير مصرية (مجهولة التعريف) تؤكد صحة الخبر ومصادر مصرية (مجهولة التعريف، تحت مسمى مصدر عسكري) تنفي ما تردد من معلومات حول اعتزام القاهرة إنشاء قاعدة عسكرية في إريتريا، وبعيدا عن كلمة (مصدر) التي لا أتوقف كثيرا عندها، سواء كان مؤكدا للمعلومة أو ينفي المعلومة، فإن الحديث عن إنشاء قواعد عسكرية موضوع يحتاج إلى مناقشة وتحليل، وهو ما يمكن تناوله خلال السطور التالية. (١) شهدت منطقة الشرق الأوسط إقامة العديد من القواعد العسكرية، سواء البرية أو البحرية أو الجوية للعديد من دول العالم، بداية من القواعد العسكرية المختلفة للولايات المتحدة الأمريكية أو البريطانية في دول البحرين وقطر والكويت والقاعدة الفرنسية بدولة الإمارات، بجانب القاعدة العسكرية الروسية في سوريا، هذا المشهد التقليدي الذي تنامى منذ منتصف القرن الماضي، دفع بعض الفاعلين الإقليميين إلى استخدام هذا النمط التقليدي بإنشاء قواعد عسكرية، كما حدث بتوقيع تركيا وقطر اتفاقية على إقامة الدولة التركية قاعدة عسكرية برية على الأراضي القطرية تتسع لما يقرب من (٣٠٠٠) جندي من القوات البرية التركية، بجانب وحدات جوية وقطع بحرية. هذا التحرك التركي الجديد دفع القوى الإقليمية الأخرى إلى التحرك على نفس المسار، خصوصا مع تنامي التهديدات الأمنية سواء التقليدية المتمثلة في تهديد بعض الدول أو تهديدات غير تقليدية متمثلة في انتشار الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية بالعديد من دول الإقليم. (٢) وفي أعقاب انشار ظاهرة الإرهاب وتنوع مصادر التهديد الخارجية للدولة، أصبح مفهوم الاشتباك العسكري التقليدي غير قادر على حماية أمن الدول، وهو ما دفع دولا إقليمية جديدة لدخول سباق إقامة القواعد العسكرية المختلفة، خصوصا في مناطق تستطيع حماية أمنها القومي وقريبة من بؤر التهديد القائمة والمحتملة، وهذا ما فعلته دول مثل الإمارات العربية المتحدة التي استأجرت قاعدة عسكرية في إريتريا بميناء ( عصب)، وهو الأمر الذي ينطبق على المملكة العربية السعودية في جيبوتي ودولة الصين بمنطقة القرن الإفريقي، وهي المرة الأولى لتلك الدول التي تسعى لإقامة قواعد عسكرية خارج حدودها، هذا الأمر دفع إيران للسعي للوجود في بعض الجزر الإرخبيلية في البحر الأحمر، هذا بجانب الوجود العسكري الفعلي لإسرائيل بالعديد من الدول الإفريقية.
(٣) لم تتوقف القوى الدولية التقليدية على إنشاء قواعد عسكرية ثابتة بدول المنطقة، بل بدأت العديد من دول العالم استحداث نمط جديد من القواعد، التي يمكن أن نطلق عليه (القواعد المتنقلة) والتي تشهد حالة من الانتشار والتنامي بشكل كبير، نتيجة سهولة التحرك وإحكام السيطرة مع انعدام قدرة القوى المعادية، خصوصا القوى غير التقليدية (الإرهابية) على استهداف تلك القواعد، بجانب سهولة حماية أكبر قدر من المصالح الخاصة بالدولة (دعونا نتحدث عن تلك القواعد وخصائصها وأماكن وجودها في مقال آخر). (٤) دعونا هنا نتحدث عن السؤال الذي طرحه عنوان المقال، هل تمتلك مصر قواعد عسكرية خارج حدود الوطن؟ وبعيدًا عن المعلومة التي تداولها بعض وسائل الإعلام، ومع تصديق مرحلي (للمصدر المصري) الذي نفى هذه المعلومة، هناك حديث فعلي عن تأجير مصر رصيفًا بحريًّا في إريتريا لاستخدامه لمهام تأمين أمن البحر الأحمر، خصوصًا مضيق باب المندب، هذا الحديث الذي تناوله أيضا بعض وسائل الإعلام، وبعيدا عن صمت أو نفي (المصدر المجهول) أتمنى أن تكون تلك المعلومات أو الأخبار صحيحة. نعم هناك أهمية لإعادة الدولة النظر في الأساليب التقليدية لوجود وتمركز القوات المصرية، فليس من العيب أن تسعى الدولة المصرية لإقامة قواعد عسكرية، سواء كانت ثابتة أو متنقلة، تقوم بمهام حماية الأمن القومي المصري وتقترب من بؤر التهديد المباشر، ولكن ما يدعوني لعدم المطالبة بشكل مباشر بهذا الأمر ليس لضعف التهديد أو انعدام المصلحة، بل الخوف من استخدام الأنماط التقليدية لإقامة تلك القاعد، فالحديث عن إنشاء قواعد عسكرية ثابتة أو متنقلة، ليست كما كانت عليه في القرن العشرين أو حتى منذ عشر سنوات، خصوصا القواعد العسكرية الثابتة التي أصبحت أكثر كلفة، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة لأغلب دول العالم، تلك الأوضاع الاقتصادية دفعت دول العالم إلى استحداث نمط جديد تحت مسمى (القواعد العسكرية المتنقلة) كبديل كفء وآمن وأقل كلفة من القواعد العسكرية الثابتة، فتلك القواعد المتنقلة أصبح لديها معايير حديثة، بداية من نوعية التسليح وتدريب القوات وقواعد الاشتباك والانتشار والانسحاب والقيام بالمهام، تلك المعايير هي جوهر الموضوع، وبعيدًا عن الدخول في تفاصيل هذا الجزء، أتمنى أن يكون (المصدر المصري العسكري المجهول)، الذي نفى سعي مصر لإقامة قاعدة عسكرية في إريتريا، أن يكون غير صادق في النفي. ولاستكمال النقاش مساحة أخرى.