المساء
مؤمن الهباء
سبقناهم.. أم سبقونا؟
ليس عيبا أن نكون فقراء.. العيب ألا نعي أننا فقراء وأننا في حاجة إلي أن نكد ونتعب لكي يغنينا الله من فضله.. العيب أن نخدع أنفسنا ونعيش في خداع مستمر ونظل نستهلك شعارات بالية.. وبدلا من أن نصارح أنفسنا بجوانب النقص التي فينا نستحدث شعارات أخري لنقول إننا سبقنا العالم في كل شيء منذ أجدادنا الفراعنة وأننا "عال العال".
بعضنا يفعل ذلك عن قصد وبتخطيط محكم لكي نظل سائرين في عالم التوهان.. وبعضنا يفعله باستخفاف دون تقدير لما يترتب عليه من نتائج أقلها التضليل والتمويه واستلاب عقول الناس.. وأخطر من يمارس هذا الدور هم النخبة المزيفة والأبواق الإعلامية التي تدعي أنها تمثل الشعب وتتحدث بلسانه وتقوده إلي التنوير وهي في الحقيقة تتلاعب بوعيه وتدمر خلايا الابداع بداخله حتي يظل راضيا مستسلما لقدره المقدور.
وللأسف.. تلعب النخبة المزيفة هذه اللعبة الخبيثة في كل مجالات حياتنا.. فنحن طبقا لمنطقها سبقنا العالم في كل شئ.. وأجدادنا الفراعنة حازوا كل مجد ونحن ورثتهم الشرعيون الذين نتفوق علي سكان الأرض جميعا.. وأي انجاز يتحقق عند غيرنا لابد أن نكون قد سبقناهم اليه.. ليس فقط في مجالات العلوم والفنون وإنما أيضا في الاقتصاد والسياسة.
عندما فاز ايمانويل ماكرون بمنصب رئاسة الجمهورية في فرنسا الأسبوع الماضي.. وانبهر العالم بهذا الشاب 39 عاما حديث العهد بالعمل السياسي الذي تفوق علي السياسيين المحترفين واستطاع أن يحقق انجازا بالحصول علي أكثر من 66% من أصوات الناخبين في بلاد لا يكون الفوز فيها عادة بأكثر من 51% خرجت معازف الاعلاميين المضللين تقول إن ماكرون لم يأت بجديد.. وأن لدينا من حقق هذا الانجاز من قبله.. ولم لا.. ألسنا نحن أصحاب حضارة السبعة آلاف عام؟
وبدلا من أن ننتهز الفرصة ونشجع شبابنا علي أن يخوض المشاركة السياسية اقتداء بتجربة ماكرون الملهمة.. خرجت الأبواق الاعلامية تقول إننا سبقنا ماكرون وفرنسا في تولي الشباب زمام الحكم.. فقد حكمنا جمال عبد الناصر وعمره 38 عاما.. وحكمنا الملك فاروق وعمره 18 عاما.. بل حكمنا توت عنخ آمون وعمره 9 سنوات.. وبالتالي إن كانت فرنسا تتباهي اليوم برئيسها الجديد الشاب "ماكرون" فإن لنا أن نفخر بأننا سبقناهم بمن هم أصغر من ماكرون بكثير.
وطبعا غاب عن هؤلاء المضللين أن المسألة ليست في السن وحده.. ولكن في قيمة التجربة السياسية التي يمثلها ماكرون.. فالشاب الفرنسي اعتلي السلطة بأصوات الناخبين.. وبعد أن قدم أفكارا جديدة التفت حولها الأغلبية فاقتنعت بها واعطته ثقتها.. لم يصل إلي السلطة بالوراثة كالملوك.. ولا بانقلاب عسكري تحول إلي ثورة بعد ذلك بالتفاف الناس حوله أو بإزاحة الرجل الكبير الذي كان يريد تطبيق الديمقراطية وعودة الجيش إلي ثكناته.
قيمة تجربة ماكرون انه جاء إلي السلطة عبر الصندوق.. ومن خلال الأفكار والمبادئ الجديدة التي طرحها.. وهذا هو الطريق الصحيح والسلمي الذي يجب أن ندل شبابنا علي السير فيه من أجل مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة.. ولا ندلس عليهم ونفرغ كل انجاز من مضمونه الحقيقي.
لو كان وصول عبد الناصر للحكم وعمره 38 عاما بالطريقة التي وصل بها انجازا.. فإن انجاز القذافي يتفوق عليه.. فقد وصل للسلطة وعمره 27 عاما.. فهل هذا منطق؟
دعونا نتعلم من التجارب الناجحة لمن سبقونا.. ونسير علي طريق التطور دون تضليل ودون استعلاء.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف