أحمد عبد التواب
من صعوبات استرداد أراضى الدولة
من غرائب حياتنا العامة المعروضة هذه الأيام بشكل مريب على شاشات التليفزيون أن تُعطَى الفرصة كاملة للبعض أن يشكو بحرقة من تفاصيل مليودرامية عن تعسف الدولة، بل وظلمها، للمستثمرين الجادين بما يصل، فى زعمه، إلى حد عرقلة المشروعات الإنتاجية التى تحلّ مشكلات الغذاء وتُوفِّر فرص عمل تنقذ المواطنين من البطالة، وتُقلِّل الاستيراد والطلب على العملة الصعبة..إلخ! ويُخفِى الأسباب الحقيقية وهو يروى فى نبرة مُتهدِّجة عن إنذارات تلاحقة بإخلاء الأرض التى زرعها بكدّه وأنفق فى استصلاحها أموالاً طائلة..إلخ، ولا يدعك تفهم أصل الموضوع إلا بعد جهد فى استنتاج الحقيقة بأن الشاكى استولى على هذه الأرض بوضع اليد بالمخالفة للقانون! عند هذه النقطة فقط يُبدِى استعداده لتوفيق أوضاعه، ولكن فى سياق هجوم آخر على الدولة التى تتعنت بإجراءاتها البيروقراطية ولا تسمح بتسوية الموضوع بالسرعة التى يتمناها!.
لاحِظْ أن الصغار من هؤلاء المخالفين يجدون الترحيب على شاشات فضائيات يملك بعضَها حيتانُ الاستيلاء على الأراضى بآلاف الأفدنة، تحصَّلوا عليها بطرق ملتوية، فيها بخس السعر بما يشبه المجان، وفيها موافقات غير قانونية فى ظل نظام مبارك بتغيير النشاط من الزراعة، التى كانت السبب فى تخفيض السعر، إلى مجال العقارات وملاعب الجولف، ثم قاموا بالإيقاع بضحاياهم من المواطنين الأبرياء الذين يجهلون كل هذه التفاصيل، والذين دفعوا تحويشة العمر فى شقة او فيلا بحلم الاستقرار والابتعاد عن المدن الصاخبة، فإذا بكل المنشآت وأحلام قاطنيها تتهدَّد بسبب المخالفات الجسيمة التى لم يكونوا طرفاً فيها! وإذا بالمجرم المخالف ينعم فى مئات الملايين التى جمعها، دون اكتراث بالأوضاع المعقدة المتعارضة مع القانون التى خلقها، والتى صار على الدولة الآن أن تجد لها حلا لا يتسبب فى أضرار للضحايا.
ينبغى أن يجد نداء الرئيس السيسى باسترداد أراضى الدولة واستحقاقاتها كل مساندة، فى إطار إدراك التعقيدات، التى أهمها التفريق بين النصابين والضحايا، وبين المنتجين بالفعل وتاجرى الأراضى، مع الانتباه دائما إلى وجوب إثبات الجدية بأن تكون البداية بالرؤوس الكبيرة!.