الجمهورية
مدبولي عثمان
انتصار الأساطير.. واندثار الحقائق.. لماذا؟!
"إن ما ندعوه التاريخ هو شيء مكتوب من قبل المنتصرين في الحرب. سادة الإمبراطوريات والجنرالات المدمرين للأرض. لصوص الثروة العالمية. مستعملين لذلك عباقرة من المخترعين الكبار في العلوم والتقنيات من أجل بسط هيمنتهم الاقتصادية والعسكرية علي العالم". العبارة الخطيرة السابقة التي تفضح حال العالم المعاصر وردت بالنص في كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" للمفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي الصادر عام 1996. وأثار ضجة كبيرة في دوائر الصهيونية العالمية ومؤيديها في جميع أنحاء العالم لأنه يهدم الأساطير التي ابتدعوها ليقيموا كيانهم الاستعماري الاستيطاني في فلسطين.
وفي الذكري الـ 69 لنكبة اغتصاب فلسطين والتي وافقت الاثنين الماضي 15 مايو ومرت متوارية سوي من تظاهرات محدودة من أصحاب الأرض وبيانات باهتة من بعض الجهات. رغم أنه حدث جلل لا يزال يزلزل كيان الأمة إلي اليوم. بل إن كل ما يجري حاليا في المنطقة العربية من قتل وتشريد ودمار وتفتيت يعد امتدادا واستكمالا لهذا الحدث.
وبمناسبة نكبة فلسطين والنكبات الكثيرة التي نعيشها أري أنه من المناسب جدا إعادة عرض هذا الكتاب الهام للمفكر الانسان روجيه جارودي والكشف عن دوره الحيوي في خدمة قضية فلسطين وكل قضايا العرب والمسلمين أكثر بكثير من الملايين الذين يحملون الجنسية العربية ومكتوب في بطاقتهم أن دينهم الإسلام.
فقد فضح الكتاب كل الاساطير الدينية والسياسية الإسرائيلية وفي مقدمتها أسطورة المحرقة النازية التي يزعمون أن ضحاياها 6 ملايين يهودي.. ويكشف جارودي عن الأهداف الخبيثة للتضخيم في ضحايا المحرقة لكل من الصهاينة وحلفائهم المنتصرين في الحرب العالمية الثانية قائلا:¢ كان من الضروري أن تصبح خرافة إبادة اليهود هي الشغل الشاغل للعالم كله . كما كان من الضروري أن تصبح الإنسانية جمعاء شريكة فيما يسمي أكبر عملية إبادة في التاريخ. وأن تنسي تماما ضحايا الإبادة الآخرين. ومنهم مثلا 60 مليونا من الهنود الحمر في أمريكا. و100 مليون من الزنوج في أفريقيا. وأن ننسي كذلك هيروشيما وناجازاكي. والقتلي خلال الحرب العالمية الثانية البالغ عددهم نحو 50 مليونا. من بينهم 17 مليونا من السلافيين .كان يعني إخفاء عمليات القمع الوحشية التي ارتكبها ستالين.
وفي الذكري الـ 69 للنكبة آن لنا أن نعترف أن الأساطير انتصرت لأنها وجدت رجالا بذلوا جهودا متواصلة علي مدي أكثر منپ 141 عاما قبل إعلان قيام دولتهم عام 1948 فقد ذكرت دراسة للباحث فتحي خطاب منشورة في موقع "الغد" أن الخطوة الأولي لاغتصاب فلسطين بدأت باجتماع المحفل اليهودي الأكبر "سنهدرين" عام 1807 والذي رأسه الإمبراطور نابليون بونابرت بعد عودته من حملة مصر وإعلان نفسه إمبراطورا لفرنسا.. وقد طرح فيه نابليون مشروعه لدولة يهودية في قلب الضلع الذي يضم مصر وسوريا ثم بدأت الخطوات التنفيذية بتأسيس ثيودور هيرتزل الحركة الصهيونية بعد عقد أول مؤتمر صهيوني عام 1898 في مدينة بازل بسويسرا.
واشتروا من أجل تكريس تلك الأساطير ذمم قادة وزعماء وسياسيين وبرلمانيين ومؤرخين وعلماء وأدباء وكتاب وصحفيين واعلاميين داخل فلسطين وفي الدول المحيطة وفي الدول صاحبة القرار المؤثر علي الصعيد الدولي.. ومن أجل تأصيل أساطيرهم أنشأوا مراكز ومعاهد أبحاث ودراسات استراتيجية. وكراسي دراسات في اشهر الجامعات العالمية وسخروا آلافپ الصحف والمجلات والمحطات التليفزيونية في كل قارات العالم لغسل أدمغة البشرية وتمكنوا من إقناع الرأي العام العالمي بصحة أساطيرهم. وفي نفس الوقت إرهاب كل مسئول أو مفكر يستيقظ ضميره ويتنبه لضلالاتهم. ويشهد علي ذلك الإرهاب الذي تعرض له السناتور الامريكي بول فندلي وعميدة الصحافة الامريكية هيلين توماس والمفكر الفرنسي روجيه جارودي. والنائب البريطاني السابق جورج غالاوي.
واستمرت جهود الصهاينة في الدفاع عن أساطيرهم وتحقيقها طول الـ 69 عاما الماضية بكل الوسائل وأبرز إنجازاتهم كان قبل 5 أيام من تلك الذكري ففي 10 مايو الحالي صادق الكنيست الإسرائيلي علي قانون يتبني "يهودية إسرائيل" وعاصمتها القدس المحتلة. ولغتها الرسمية العبرية. واعتبار فلسطينيي 48 ولغتهم العربية درجة ثانية ويهدد القانون حاضر ومستقبل 1,8 مليون فلسطيني يقيمون داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948. ويحرم ما يقارب 7 ملايين لاجئ فلسطيني من العودة إلي ديارهمپطبقا للقرار الدولي 194.
أما نحن العرب أصحاب الحقوق الثابتة في فلسطين منذ قدم التاريخ. ونعلم جيدا أن عروبة فلسطين وقدسيتها تعد من الحقائق التي وثقها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وكل الموسوعات العلمية والتاريخية المعتبرة. إلا أن الوقائع علي الارض تشهد باندثار تلك الحقائق وهزيمتها أمام الأساطير. والسبب يعود الي قوة العدو وجديته في الدفاع عن الباطل ولكنه يعود أكثر الي ضعفنا. وتفرقنا شيعا ومللا وأحزابا وجماعات. فعجزنا عن تحمل أمانة الدفاع عن حقوقنا.
فمتي نفيق وندرك ما يحاك لنا ليس بليل ولكن جهارا نهارا؟! متي نترفع عن المطامع الفردية حكاما ومحكومين ودولا. ونضع مصلحة ديننا وأوطاننا نصب أعيننا؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف