المصريون
جمال سلطان
انطباعات عن الدور التركي في الخليج وغياب مصر
على مدار يومين في الكويت ، شاركت في أعمال مؤتمر العلاقات العربية التركية ، والذي دعا إليه منتدى المفكرين المسلمين وعقد تحت رعاية الشيخ "صباح خالد الحمد الصباح" رئيس الوزراء، والذي حمل عنوان "نحو إعادة بناء التعاون والشراكة بين العالم العربي وتركيا"، وشارك في بعض أعماله وزراء وسفراء وبرلمانيون من الطرفين ، وحضره عدد كبير من الجانبين ، العربي والتركي ، لمناقشة تطور العلاقات بين الدول العربية ـ والخليجية تحديدا ـ وبين تركيا ، وآفاق تلك العلاقة ، وقد جرى هذا المؤتمر في أعقاب زيارة مهمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للكويت ، شارك خلالها في وضع حجر الأساس لمطار الكويت الدولي الجديد ، والذي ستقوم شركات تركية بإنشائه بالكامل ، وبتكلفة تزيد على أربعة مليارات دولار .
كثير من الأفكار التي طرحت في اللقاء كانت إيجابية وطيبة ، وإن كنت قد لاحظت أن هناك حساسيات يستشعرها بعض المثقفين الأتراك فيما يخص الثقافة والفكر الديني بشكل خاص ، لأن الخليج العربي سلفي التكوين في عمومه ، وتركيا أقرب إلى الصوفية في عمومها ، ورغم أن كثيرا من الحضور الأتراك كان يتحدث العربية بطلاقة ، إلا أن اعتراضات حدثت على طريقة طرح بعض المفكرين العرب قضية اللغة العربية ، ومقترح ضرورة تطبيقها في مناهج التعليم التركية منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية .
الحضور التركي في أغلبه كانوا من أنصار حزب العدالة والتنمية ، حزب أردوغان ، وكان ذلك في تقديري نقطة سلبية في المؤتمر ، باعتبار أن فكرته الأساسية أقرب إلى العمل الأهلي والذي ينبغي أن يحتفظ بمسافة كافية بينه وبين السياسة وشئونها ، فالعلاقات العربية مع تركيا ينبغي أن تراهن على تركيا الشعب والدولة والمجتمع الأهلي والاقتصاد والدين ، وليس على تركيا أردوغان وحزب العدالة ، لأن تلك الوجهة يفترض أنها تؤسس لعلاقات تاريخية ، تذهب النظم وتجيئ ، وتبقى هي ثابتة لخدمة شعوب المنطقة ، ولذلك كنت أتمنى أن يكون من الجانب التركي حضور من مختلف التيارات والشخصيات ، وكذلك لا ينبغي أن يكون الحضور من الجانب العربي شبه مقتصر على التيار الإسلامي ، وقد علمت أن الدعوة كانت موجهة لعدد من الشخصيات التركية الرفيعة مثل الدكتور أحمد داوود أوغلو ، إلا أنه جرت اعتراضات عليه من الوفد التركي نفسه ؟! .
تركيا تتمدد في الخليج العربي حاليا ، بذكاء سياسي لافت ، وتملأ الفراغ الذي كانت تملؤه مصر من قبل ، على المستوى السياسي والاقتصادي وحتى على مستوى القوى الناعمة ، فقد لاحظت أن أردوغان في زيارته الأخيرة للكويت كان بصحبته كتفا بكتف في المقابلات ، بطل مسلسل "أرطغرل" الشهير وواسع الانتشار في الخليج حاليا ، وحظي حضوره بترحيب واهتمام خليجي ، فأردوغان ـ السياسي المحنك ـ يوظف كل مصادر قوة بلاده في خدمة اقتصادها وتنميتها وعلاقاتها ، حتى القوى الناعمة المتمثلة في الممثلين المشهورين أو حتى لاعبي الكرة ، بينما السيسي عندما ذهب إلى الكويت قبله بيومين ، كان وحده ، لأن مصر تم تصحيرها سياسيا واقتصاديا وحتى على مستوى قواها الناعمة ، وعندما يقوم أردوغان بزيارة من هذا النوع يصحب معه دائما عدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك لفتح أسواق ومشاريع ودعم رأس المال الوطني في تركيا ، بينما السيسي إذا ذهب لا يصحب معه أحد من هؤلاء ، لأن كل ما يشغله أن يأتي ببعض الدعم لسلطته ونظامه ، ولا يفكر في اصطحاب بعض رجال الأعمال في رحلات أوربية أو أمريكية إلا كمهرجين في الطرق المحيطة بمقر إقامته للهتاف والرقص والتهريج .
كانت مصر حاضرة دائما في الخليج العربي ، بحضورها السياسي ، حتى في عصر ضعفها ، عصر مبارك ، كانت حاضرة ولا يقضى أمر ذو بال إلا بوجودها وشراكتها ، وكذلك في الاقتصاد كانت الشركات المصرية ذات سمعة كبيرة هناك ، وخاصة شركة المقاولون العرب ، التي لها بصمة في كثير من مشروعات الطرق والبنية الأساسية ، وكانت معروفة بجديتها والتزامها ومستوى تنفيذها عالي الجودة ، وقد تم سحب كل ذلك منها ، لأن مشروعاتها تسحب في بلدها نفسه ، في مصر ، وتتهم في بلدها بأنها غير منضبطة ، وأن شركات الجيش والهيئة الهندسية هي التي تتسم بالحزم والجدية والانضباط ، فأعطينا بأنفسنا سمعة سيئة لشركاتنا في الخارج .
وكان لمصر قوتها الناعمة الآسرة في الخليج ، في الفنون والثقافة والإعلام ، الآن ضاع كل ذلك ، تلاشى ، وفنون الأرض كلها تحتل مكانها الآن بعد أن تردت ، الهندية والتركية والأمريكية ، كما أنه يصعب أن تتحدث باحترام عن الثقافة المصرية الآن ، مع الأسف ، بعد أن تحول كثير من المثقفين إلى حاملي مباخر في ركاب السلطة ، أو متسولين للجوائز والهبات في أبو ظبي ودبي ، فالثقافة المصرية تعيش هذه الأيام عصر مهانتها الأعظم .
مصر خسرت الكثير على مختلف الأصعدة في السنوات الماضية ، وتحتاج الكثير ـ والعناية الإلهية ـ لكي تستعيد ولو جزء مما ضاع منها .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف