ربما الأجيال الحالية لا تعرف ولم تعاصر سباحا معجزة سوري الجنسية اسمه "محمد زيتون".. كان خليفة حسن عبدالرحيم ومرعي حسن حماد في مسابقات المانش الدولية التي تبنتها صحيفة "الديلي ميل" الإنجليزية.. وحدث أثناء الوحدة مع سوريا ان فاز محمد زيتون ببطولات المانش كلها باسم الجمهورية المتحدة العربية.. وتمر الأيام والشهور ويقع الانفصال عن سوريا.. وتمر ايام اخري ويقترب موعد سباقات المانش ويقرر المرحوم اللواء أحمد الزرقاني الانسحاب من بطولات هذا العام فمحمد زيتون لا يقاوم.. ليس له حل.. ومنظرنا سيكون "مش ولابد" امام "الحوت السوري".. الذي سيكتسح كل سباحينا.. فضلا عن استغلال سوريا لهذا الموقف خاصة بعد توتر العلاقات بين البلدين.. والشماتة ستكون للركب!!!
* * *
قبيل موعد البطولة بأسبوع تقريبا.. مكالمة تليفونية من سفيرنا في بيروت يخطر جمال عبدالناصر شخصيا بأن محمد زيتون بطل العالم في السباحة واقف امامه الآن ويريد السفر إلي مصر لمقابلتك "عبدالناصر" أولا ويطلب منك شخصيا الجنسية المصرية ليخوض بطولات المانش السنوية باسم مصر.. كانت مفاجأة ضخمة لعبدالناصر الذي لم يكن موافقا قط علي قرار انسحاب مصر من البطولة السنوية المرتبطة باسم مصر منذ سنوات طويلة جدا.. منذ اسحاق حلمي أول من عبر المانش في التاريخ ثم الأبطال الحاليون خاصة حسن عبدالرحيم الذي عبر المانش من الشاطئين وهو ما لم يحدث في التاريخ لذلك استقبله عبدالناصر عند عودته وأهداه احدي فيللات العمال في امبابة مع مبلغ كبير من ماله الخاص.
المهم صدرت تعليمات عبدالناصر لسفيرنا في بيروت بارسال محمد زيتون إلي القاهرة علي أقرب طائرة.. علم المرحوم صلاح سالم بالخبر فاتصل بسفيرنا في بيروت وعرف اسم ورقم طائرة زيتون وبموعد وصولها مطار القاهرة.. ثم تليفون لي بأن أنزل له فورا إلي مكتبه في الدور الثالث في المبني القديم.. كان القسم الرياضي والتصوير يشغل الدور الرابع كله.. وكان مكتب صلاح سالم في الثالث.
عندما علمت بالخبر من المرحوم صلاح سالم اصيبت بشيء غريب.. صداع وعدم رؤية لما امامي.. تقدر تقول "فقدت توازني" وبحثت عن مصطفي عبيد المتخصص في شئون السباحة في "الجمهورية" و"الأهلي".. أخذت سيارتي ومعي ليون نصيف مصور "الجمهورية" وانطلقنا إلي المطار مع تليفون من صلاح سالم للمسئول عن مطار القاهرة.. وصعد مصطفي عبيد إلي الطائرة مع ليون المصور وفي السيارة التي وقفت امام سلم الطائرة.. سأل زيتون بانزعاج عن الشنطة والسحارة التي معه فقيل له انهما سيكونان في دار "الجمهورية" بعد ساعة زمن.. في الطريق رأي مصطفي عبيد انه إذا ذهب إلي الجريدة الكل سيعرف الخبر ثم الكل يريد أن يسلم عليه والتصوير معه ولن نعمل شيئا كبيرا سريعا في منتهي السر لذا رأي مصطفي عبيد حينما اقتربوا من جروبي مصر الجديدة أن ينزلوا هناك ويبدأ العمل: الكتابة والتصوير هناك.. ثم خاف مصطفي عبيد من زبائن جروبي الذين بدأوا يصافحونه.. فوق جروبي مصر الجديدة فندق اسمه "هيليوبوليس أوتل" فاستأجرا حجرة باسم مصطفي عبيد بعيدًا عن زيتون.. وكان.. صفحة ونصف صفحة.. الحكاية بالكامل مع الصور.. أخطر سبق صحفي في ذلك الوقت.
* * *
ولكن أخطر ما في الموضوع أن أحمد علام المسئول عن الرياضة في "أخبار اليوم" علم بوصول زيتون من مندوبه في مطار القاهرة.. وعلم بأن اثنين صعدا الطائرة واصطحباه في سيارة بجوار السلم.. اتصل بي أحمد علام يحذرني من اخفاء زيتون الذي يجب أن يقابل عبدالناصر وتنشر الصور في كل الصحف.. وهددني بأن "الأخبار" ومصطفي أمين لن يتركوا هذا الأمر دون عقاب.. اتصلت بصلاح سالم الذي ضحك كثيرا وقال لي: ولا يهمك.. نريد أن نحقق سبقا صحفيا.. وقد كان.. وأي سبق..