المساء
محمد غزلان
حق الدولة والشعب
في عجالة وتفسير سريع لمفهوم الدولة بعيدًا عن الكلمات الكبيرة والتعبيرات الدسمة. فهي ـ أي الدولة ـ حكومة وشعب وأرض. ثلاثي دائم التواصل والارتباط والتفكك يعني انهيار الدولة أو تحولها إلي ما اتفق علي تسميته أخيرًا "شبه دولة" والحكومة التي تغمض عينها طواعية عن الأرض وتتركها نهبًا لمجموعة من الأثرياء أو البلطجية أو الأثرياء المدعمين بالبلطجة لا تصبح حكومة. بل يمكن أن يطلق عليها أي مسمي آخر والحقيقة أن الحكومات المتعاقبة تركت منذ سنوات طوال الحبل علي الغارب وتركت بعض فئات المجتمع تبسط سيطرتها علي آلاف الأفدنة دون وجه حق. في محاولة كانت تهدف في المقام الأول إلي إغراق الكل في الفساد حتي لا يجرؤ أحد للحديث عن الطهارة أو الشرف أو نظافة اليد ويصبح الكل ملوثًا إلا من رحم ربي وانتشرت هذه الفئات في طول البلاد وعرضها لتغتصب وتحتل أرض الشعب والأجيال القادمة دون أن يرمش لها جفن ودون أن تحرك الحكومة ساكنًا للتعامل مع هذه الظاهرة الفجة. حالة الشراهة تلك لم تترك صحراء أو جبلاً أو بحرًا.
وقد شاهد كاتب هذه السطور بأم عينيه ما لم يصدق. فمنذ ما يقرب من عشرين عامًا تم شق طريق جديد يربط الصعيد بالبحر الأحمر في زمن سليمان متولي وزير النقل والمواصلات حينذاك. الطريق هو طريق قنا ـ سفاجا وطوله حوالي 175 كيلومترًا في الجبال والوهاد والتلال وكان علي الجانبين لافتات كبيرة الحجم علي مساحات واسعة من الأراضي تعلن أن هذه القطعة من الأرض ملك فلان الفلاني وعلان العلاني وكانوا من نجوم السياسة والفئات المميزة في عصر حسني مبارك وتعجبت متي أتي هؤلاء إلي هذه البقعة وكيف علقوا هذه اللافتات والطريق لم يمض علي افتتاحه أيام. هؤلاء اغتصبوا هذه الأراضي ولم يدفعوا مليما واحدا في ظل غياب الشعب والحكومة أو بموافقة الحكومة الضمنية علي اغتصابهم لهذه الأراضي أو عجزها عن التعامل معهم.
وعندما آن الأوان لإصلاح الوضع وتصحيح الأخطاء تم تشكيل لجان لعمل تسويات إلا أن واضعي اليد رفضوا الانصياع وظنوا أنهم أقوي من الدولة. فما كان إلا الأمر لكل المحافظين بإنهاء هذا الوضع ومنحهم مهلة إلي آخر هذا الشهر وإذا بالجرافات تظهر وتهدم أسوارًا تكلفت ملايين وتبسط الدولة يدها مرة أخري علي أرض الشعب. مغتصبو الأراضي هؤلاء هم أنفسهم أصحاب الأبراج المخالفة في جميع أنحاء مصر أو علي الأقل يوفرون الحماية لكافة المخالفات وبأمل الشعب بعد انتهاء موضوع الأراضي تلك أن تتجه الدولة إلي المباني والأبراج المخالفة والتي يقال إن عددها لا يقل عن نصف مليون مخالفة في جميع أنحاء مصر. حق الشعب أن يفرض علي كل برج مخالف من مليون إلي ثلاثة ملايين جنيه غرامات ومن لم يدفع يهدم للأرض وقد يقول قائل وما ذنب مشتري الوحدات في هذه الأبراج والرد بسيط انهم يعلمون أنها مخالفة وأنهم شاركوا في هذه المخالفات وإلي أن يتم ذلك قد يشعر المواطن العادي بأنه ليس الوحيد المستهدف من الحكومة وليس الوحيد المبتلي بغلاء الأسعار وليس الوحيد المعرض لجشع التجار واننا في الطريق الصحيح لنصبح دولة حقيقية غير معرضة للانهيار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف