من روايات التاريخ أن الخليفة الناصر لدين الله العباسي "575 - 622" كتب إلي جنكيزخان يستغيث به ضد خوارزم شاه علاء الدين محمد. سلطان الدولة الخوارزمية. حين أمر جيوشه بالهجوم علي بغداد للاستيلاء عليها بالقوة. وكانت تلك الاستغاثة بداية الغزو المغولي للأقطار العربية. ثمة روايات أخري لمؤرخين عرب. ترجع الغزو المغولي إلي تصرفات غبية وساذجة. من سلاطين تلك الفترة وولاته. بلغت حد قتل مبعوثين لجنكيزخان. والأمر بإخلاء المناطق القريبة من الحدود. مما أتاح لقوات المغول أن تجري بالسكين في قطعة الزبد. وفي 616 عبر جنكيزخان - بسهولة - نهر "سيجون". وواصلت جيوشه سيرها نحو الغرب. حتي دقت أبواب مدينة "بخاري". لم يكن عدد الجنود الذين يدافعون عن المدينة سوي عشرين ألفا. عجزوا عن الصمود. فاقتحمت جيوش المغول المدينة. ودمرت كل ما فيها. وقتلت من طالته سيوف مقاتليها. ثم واصل المغول تقدمهم نحو "سمرقند" فلحقها دمار مشابه لما حدث في بخاري. وتوالي سقوط المقاطعات والولايات الإسلامية. حتي خضع كل شيء لإمبراطورية المغول. وحين جاء جنكيزخان مرض الموت. وزع أرجاء الإمبراطورية المترامية علي أولاده الأربعة.
إذا أحسنا تدبر أحوالنا في ضوء الدروس المستفادة. فإن القول بأن الاستعمار ليس هو وحده المسئول عن تشرذم أقطارنا. وأن الوطن العربي لم يكن كذلك في الأزمنة الفائتة.. هذا القول يمثل دافعا لتوحد الكلمة. فلا تخضع أقطارنا للمؤامرات. أذكر تشخيص بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق. عن أحوال الوطن العربي الذي يعاني الفرقة والتشرذم والشوفينية. وأنه علي الغرب أن يبقي علي تلك الأحوال للحفاظ علي مصالحه وسيطرته علي منابع النفط العربية.
التحديث يرتبط - في غالبية الكتابات - بالغرب. أما التقليد فيرتبط بالشرق. لا تناقش تمازج التحديث والتقليد. المعاصرة والأصالة. الجديد والقديم. الديناميكية والاستاتيكية.. ذلك خطأ علمي - أو لنقل خطأ منهجي - فالصرامة الحدية يصعب أن تكون سمة للحياة المعاشة. لأن التحديد يعني أن ما ينتسب إلي التحديث هذه الآونة. سيصبح تقليدا في قادم الأيام.
المرحلة الآنية التي يعيشها الوطن العربي تفرض المراجعة والمحاسبة. والنظرة المتأملة يصدمها السودان الذي فصل جنوبه عن شماله. ويواجه حركات متمردة في أقاليمه الأخري. وتحول بنية العراق إلي كيانات عرقية. وبذور الشقاق الطائفي والعرقي في اليمن والجزائر وسوريا ولبنان وموريتانيا وغيرها. فإذا أضفنا إلي الصورة طبيعة الأخطار التي تحيق بأقطارنا العربية. بدت الكلمة السواء خلاصا مما يعانيه هذا الوطن بتعدد أقطاره. واختلافها ونزاعاتها المعلنة والمستترة.
لم تعد الدولة المستقلة مجرد نشيد وطني وعلم. لكنها قدرة علي مسايرة العصر. أو مواجهته بالقدرة الدفاعية. والاقتصاد المتنامي. والعدالة الاجتماعية. وحرية الفرد والجماعة والإعلام. واللحاق بثورات العصر في مجالات العلم والتكنولوجيا.
إذا كان الأمر صعبا. فلماذا لا نبدأ بالمتاح؟ لماذا لا نعد القوانين التي تقربنا من الهدف الرئيسي. فهي تستهدف التعاون والتكامل وتحقيق الاكتفاء الذاتي بين الأقطار العربية في المنطقة؟ لماذا لا نحاول تفعيل المعاهدات الموقعة بين قيادات الأقطار العربية. مثل السوق العربية المشتركة. والدفاع العربي المشترك. وغيرها؟