نحن لم نستطع أن نفهم الغرب بقيادة الولايات المتحدة بالقدر الكافي مثلما قتلونا بحثا ومعرفة وفهما.. ولذلك فإنني أدعو إلي إنشاء مراكز متخصصة في فهم الغرب تكون لنا مصباحا منيرا في بناء رؤيتنا الاستراتيجية للتعامل معه دون تبعية بكل المضامين ونكون له ندا.. فنحن العرب والمسلمين أصل حضارة الغرب الذي أخذ عنا الفكر والعلوم¢.
هذه هي العبارة الافتتاحية التي قدم بها الزميل المثقف الأستاذ سيد حسين رئيس تحرير سلسلة ¢كتاب الجمهورية¢ لأحدث إصداراته عن مراكز الفكر في أمريكا ودورها المؤثر في صناعة القرار السياسي الأمريكي من تأليف الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ عاطف الغمري الذي عمل مديرا لمكتب ¢الأهرام¢ بالولايات المتحدة وخبر شعابها .
ولأمر ما اجتمعت إرادة الأستاذين سيد حسين وعاطف الغمري علي أن يكون عنوان الكتاب مناصفة بين اللغتين العربية والإنجليزية هكذا ¢ think tanks.. في البيت الأبيض¢ وترجمتها ¢مراكز التفكير في البيت الأبيض¢.. ولا أظن أن الاتفاق علي وضع التعبير الإنجليزي بدلا من العربي علي العنوان جاء نتيجة تصور أي قصور في العربية أن تؤدي المعني المقصود.. فأنا أعرف جيدا حماس صديقي الأستاذ سيد حسين للغتنا الجميلة وثقته فيها وولعه بأسرارها.. لكن ربما ـ أقول ربما ـ وافق علي وضع التعبير الإنجليزي في العنوان لأن ترجمته العربية غير شائعة.. ولم تستقر بعد.. فهناك من يكتبها ¢مراكز الفكر¢ أو ¢مراكز البحث¢ وأنا شخصيا أميل إلي ¢مراكز التفكير¢.
علي كل حال.. تبقي القضية التي دعا إليها الزميل رئيس التحرير في مقدمته الشيقة جديرة بالاهتمام.. وإذا كان الكتاب قد عرض لنا نماذج لكيفية عمل مراكز التفكير الأمريكية.. وكيف تتناول الملفات الصعبة.. وكيف تضع المعلومات والتوصيات أمام صاحب القرار.. فإن علينا اليوم أن ندرك أن العالم لم يعد يسير وفق الأهواء أو بالفهلوة أو بالإلهام.. وإنما يسير بالمعرفة والعلم والمعلومات.. بالمخ لا بالعضلات.. وعندما كان الغرب يحاربنا بالسيف والعضلات لم يهزمنا علي مدي مئات السنين لكنه هزمنا واستعمرنا وأضعفنا ونهب خيراتنا وبث فينا بذور الفتنة والفساد عندما حاربنا بالفكر والعلم وحاربناه نحن بالكلام والخطب البليغة.
كان سلاح الغرب يعرفنا علي حقيقتنا ويدرس مناطق القوة ومناطق الضعف فينا ليعرف من أي الثغرات يدخل إلينا.. وأنشأ لذلك علما مستقلا هو علم ¢الإستشراق¢ الذي تخصص فيه وتفرغ له نخبة من أعظم النبهاء والعلماء استطاعوا أن يجعلونا ¢حالة دراسة¢ وقاموا بتشريحنا تماما.. حتي أصبحنا أمامهم كتابا مفتوحا معلوما لايخفي منه شيء .
ثم تطور شغفهم بمعرفة كل شيء عنا وعن العالم الذي يعيشون فيه بكل أزماته وتناقضاته إلي انشاء مراكز التفكير التي تتخصص في دراسة كل حالة علي حدة.. وتقديم العديد من الرؤي لكيفية التعامل معها.. وإذا قرأت الكتاب الذي نحن بصدده فسوف تجد العديد من النماذج للطريقة التي تم بها حل المشاكل الدولية.. إلي الدرجة التي جعلتهم يعتبرون مراكز التفكير هذه بمثابة حكومات الظل .
لهذا دعا الدكتور حسن حنفي أستاذ الفلسفة الإسلامية وأحد مفكرينا الكبار إلي استحداث علم ¢الاستغراب¢ ليكون سلاحنا لدراسة الغرب ومعرفته علي النحو الصحيح.. وأرجو أن تتكامل هذه الدعوة مع دعوة الصديق سيد حسين لإنشاء مراكز تفكير عربية إسلامية تقودنا إلي معرفة الغرب معرفة حقيقية.. شريطة أن يكون العلم والمعرفة وحدهما هدف هذه المراكز وليس مجرد التمويل والدعاية السياسية .