التحرير
أحمد بان
جريمة ازدراء الوطن
ربما صك تعبير ازدراء الأديان أسماعنا كثيرا خلال الآونة الأخيرة، كتعبير عن تجاوز البعض فى التعبير عن آرائهم فى أمر يتعلق بالأديان، ما اعتبره البعض مساسا بالأديان والمعتقدات التى تعد أقدس ما يملكه الإنسان، وفى غمرة الحديث عن ذلك نسى البعض أو تناسى ربما أن الحفاظ على الدين، الذى عد من مقاصده الحفاظ على ما يسميه فقهاء الشريعة بالكليات الخمس، وهى الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والنسل، وإذا كان واحد من تلك المقاصد تعلق بالدين فقد تعلق الباقى بالوطن، ممثلا فى ناسه برعاية ما يصون عقولهم ومالهم ونسلهم بل وحياتهم، والوطن الذى يعنى بكل ذلك يحظى فى تقديرى بازدراء لا تخطئه العين، وتوثق ملامحه إحصاءات دولية تقيم أحوالنا فى كل ما يمس تلك المقاصد ويضمن حمايتها أو العدوان عليها. عندما يكشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن 27.8% من السكان فى مصر فقراء لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وأن 57% من سكان ريف الوجه القبلى فقراء مقابل 19.7% من ريف الوجه البحرى. عندما تكشف المؤسسات العالمية تقريرًا عن مصر رصدت فيه ترتيبها عالميًّا في شتى المجالات؛ حيث نشر موقع "نومبيو" المتخصص في رصد مدى رفاهية واستقرار الدول من خلال عدة مؤشرات احتلال مصر المراكز الأخيرة في عدة مجالات، منها الحرية، والصحافة، والتعليم؛ وجودة المرور، والرعاية الصحية. حيث احتلت المركز الـ136 عالميًا في مؤشر الحرية، طبقًا لمؤسسة فريدريش نيومان، والـ158 في مؤشر حرية الصحافة، وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود، فضلًا عن احتلالها المركز الـ108 في مؤشر الديمقراطية، الصادر عن مؤسسة جلوبال ديموكراسي رانكينج. حلت مصر في مرتبة متأخرة عالميًّا وعربيًّا، بوقوعها في المركز 159 من بين 180 دولة وردت في التصنيف، ووقعت في المركز رقم 14 من بين 22 دولة عربية. حصلت مصر على المركز 111 عالميا من بين 147 دولة شملها التقرير، في معدلات الجريمة. جاء ترتيب مصر رقم 186 من بين 220 دولة شملها المسح في الرعاية الصحية. أظهر مؤشر التنافسية في مجال التعليم، احتلال مصر المرتبة 139 لتسبق "غينيا"، على مستوى 140 دولة في العالم. تصدرت مصر الترتيب عربيا وعالميا من بين 11 دولة عربية في التقرير الذي أصدره موقع "نومبيو" مؤشره السنوي للتلوث العالمي لعام 2016، الذي يقيس حجم التلوث في 99 دولة من مختلف قارات العالم. وفي جودة حركة المرور، جاءت في المركز قبل الأخير" 87" من بين 88 دولة. احتلت مصر المركز 88 والأخير عالميا من بين 88 دولة شملتها القائمة، والمركز 87 في مؤشر الكفاءة، و84 في ضياع الوقت بسبب الازدحام. فى جودة الحياة شمل ذلك المؤشر عدة نقاط مثل القوة الشرائية، والأمان، والرعاية الصحية، وسعر المستهلك، وسعر المنشآت مقارنة بمعدل الدخل، ومعدل التلوث، واحتلت مصر المرتبة رقم 83 من بين 86 دولة شملها المسح.

فى مؤشر السلام العالمى احتلت مصر المرتبة 142 من أصل 163 عالميا. فى سيادة القانون جاءت مصر في المرتبة الـ110 من بين 113 مركزا عالميا. في الطلاق وصلت حالات الطلاق في مصر إلى 20 حالة في الساعة الواحدة، ما يعادل 170 ألف حالة سنويا، على الأقل، و جاءت في المركز الثاني عربيا، بعد وصول عدد المطلقات إلى3 ملايين مطلقة. في حقوق الطفل نالت مصر المرتبة 34 عالميا من أصل 136 دولة. في الكرة أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، في شهر مايو عن تصنيف المنتخبات على الصعيد الإفريقي والعالمي، قبل قرعة التصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم. واحتل المنتخب المصري المركز الـ45 عالميا، وعلى الصعيد الإفريقي، حصل المنتخب المصري، على المركز الرابع. في الفساد احتلت مصر المركز الـ88 عالميا في مؤشر الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية. في السعادة حصلت مصر على المركز الـ120 على مستوى العالم من أصل 156 دولة. عندما نقرأ كل تلك المؤشرات وقبلها نقرأ وجوه الناس فى الشوارع والمصالح وفى كل مكان ندرك كم هى الصورة قاتمة، وكيف تواضع النظام السياسى المصرى منذ أربعة عقود على الأقل وحتى اليوم على ازدراء الوطن بازدراء حقوق المواطن وكرامته، فى اغتيال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى توثقها تلك الأرقام الصادمة، والتى قد تبدو أقل من الواقع فى تقديرى فى اغتيال الحقوق السياسية والدستورية. فى إهمال إصلاح مؤسسات الحكم، لا يتحدث أحد الآن عن إصلاح مؤسسة الشرطة ورفع كفاءتها وتعديل عقيدتها لتكون فى خدمة الناس، وربما خلت تلك الإحصاءات مما كان يظهر فى تقارير الأمن العام التى توقفت الداخلية عن إصدارها منذ سنوات. لا يتحدث أحد عن إصلاح المؤسسة القضائية إلا فى سياق تأهيلها لتكون خادما أمينا لتوجهات ومطالب السلطة التنفيذية، التى لا تخضع هى الأخرى لأى مساءلة أو رقابة بعد أن تم إخصاء المؤسسة التشريعية عبر تدخل ناعم من السلطة التنفيذية وصياغتها على مقاسها، فلم تعد تمثل الشعب بقدر تمثيلها تلك السلطة الفاشلة عديمة الكفاءة. عندما يتواضع الجميع على تلك الجرائم فى كل مؤسسات الدولة، وعندما يرعى رأس النظام كل هذه الفوضى المنظمة ويدير دولاب الدولة والإعلام، ليروج لخطط إشغال من قبيل إنجاز كيلومترات من الطرق أو عاصمة إدارية جديدة أو زراعة بضعة أفدنة أو تأهيل قطاع الكهرباء أو غيرها من مفردات الأداء اليومى لأى جهاز تنفيذى، ويتجاهل تأهيل الوطن لكى يكون وطنا بحق والدولة لكى تفلت من مصير شبه الدولة، أظن ساعتها أننا جميعا أمام جريمة ازدراء وطن لا ينبغى أن يشغلنا عن مواجهتها شاغل، حتى لو كان الدفاع عن الدين الذى لن يدافع عنه وطن منتهك الحقوق والكرامة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف