لا مجال لتقدم الدول إلا باحترامها حقوق مواطنيها وحقوق الإنسان بشكل عام. أصبح من المسلَّم به لدى مراكز البحث بشكل عام، أن العنف الزائد ليس سبيلاً لمواجهة الإرهاب بل إنه يرفع من وتيرته، ويضيف طاقات الثأر إلى طاقات الأيديولوجيا المتطرفة والعنيفة، ولم يصبح هناك مجال للمجادلة في هذا الأمر. حتى من أجازوا استخدام أساليب محددة ومقررة في التحقيق، حذَّروا من التوسع والقبض بالشبهة. وقد كان هذا ديدن الدول الغربية، فأحداث الدانمارك المؤسفة، أفرجوا عن أخى المتهم الأول بعد أن ثبت لهم أنه لا توجد دلائل قوية على توجيه اتهام له. خلافنا مع الإخوان من الناحية الفكرية، وظنوننا القوية أنهم قاموا بممارسة العنف المفرط، ليس مبررا أن نجيز تجاوز حقوق المتهم أو حتى المحكوم عليه حكما نهائيا في حقوقه في الزيارة وفي ظروف وبيئة قانونية مناسبة طبقا للمعايير الدولية. تردد في الآونة الأخيرة كلام كثير سواء عن الرئيس الأسبق محمد مرسي وعن ظروف حبسه وعن زيارة المحامين أو أسرته له في السجن، وتردد كلام آخر عن عصام سلطان وعن ظروف سجنه وعن مهدي عاكف وظروفه الصحية، وعن ظروف أحمد الخطيب الصحية. وأخيرا فقد صرَّح المتحدث الرسمي السابق للإخوان أحمد عارف والمسجون حاليا في سجن العقرب، بأنه تم تعذيبهم باستخدام الكلاب، وحدد يومًا وساعة، وقال هذا الكلام أمام المحكمة وتقدمت زوجته ببلاغ للنائب العام، أيًّا كان مستوى دقة هذا الكلام ولكن يجب التحقيق فيه بدقة وشفافية ويجب إعطاء حقوق الدخول المفاجئ للنيابة ولمراكز حقوق الإنسان سواء الحكومية أو الخاصة للسجون والتفتيش عليها ومقابلة السجناء، وكان يجب على المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يقوم بدوره، فإما يقوم بدوره بشكل حقيقي وإما يعلن العوائق التي تعرض أمامه بشكل مباشر وصريح. خلافنا مع الإخوان لا يجعلنا نقبل أي تجاوز لحقوق الإنسان تجاههم، كما لا نقبل أي انتهاك لحقوق الإنسان لأي إنسان مهما كانت جريمته. لقد سُئل الرئيس في زيارته لأوروبا عن سجن العقرب وحاول الدفاع، وقال إنه مجرد اسم، ولا ندري إن كان مجرد اسم، أم أنه اسم وفعل.
فلا تضعوا النظام المصري في حرج، ما قاله الرئيس الأسبق محمد مرسي عن منع الزيارة أمر غير مقبول، وأوضاعنا المأزومة اقتصاديا وسياسيا لا تتحمل هذه الأعباء الثقيلة على المجتمع وعلى النظام السياسي. أيا كانت الأعداد الموجودة في السجون التي تقدر بعشرات الآلاف ولا يعرف عدد محدد لهم، لأن النظام لا يريد أن يعلن بشفافية عن أعداد المحبوسين، سواء تحت بند على ذمة التحقيق أم لتنفيذ حكم سواء كان باتا أم حكم أول درجة. مرت أربع سنوات منذ الثلاثين من يونيو، وبالتأكيد أن تلك الآلاف معظمها سيخرج للشارع، سواء خرج براءة أو حتى بعد حكم ثلاث سنوات أو خمس سنوات، وبالتأكيد الأحكام الأعلى من ذلك سواء المؤبد أو الإعدام ستكون بالعشرات، لأن ديدن القضاء المصري في أحكامه النهائية، لا يحكم بالإعدام أو بالمؤبد إلا في حالة اليقين التام الذي لا يقبل الشك في جرائم جنائية كبيرة، وأي شك يفسر في صالح المتهم. فلا نقطع الجسور، فيجب أن نضع صيغة للتعايش مع تنفيذ القانون. الرئيس قال بوضوح وصراحة، في أكثر من خطاب، إن هناك مواطنين مختلفين معنا فكريا، ليس بالضرورة أن يغيروا من أفكارهم ولكن لا يؤذوننا. لأن الأفكار التي رسخت في العقول على مدى عقود طويلة ليس من السهل تغييرها، ويكون أملنا في مرحلة معينة أن يعودوا من مربع العنف المادي إلى مربع العنف الفكري، والزمن جزء من العلاج للأفكار. وما زلت أرى أن تجربة أواخر التسعينيات مع الجماعة الإسلامية وما أطلق عليها المراجعات الفكرية، كانت ناجحة، لأنها حققت الأهداف منها، فلم يكن يتصور أحد أن يتحول هؤلاء الإسلاميون إلى ليبراليين أو علمانيين، ولكن الهدف الحقيقي أن يتحول هؤلاء الإسلاميون إلى إسلاميين لا يمارسون العنف وفقط، ويا حبذا إن كان هذا من منطلقات فقهية يجيدون هم صياغتها بناء على انتقاءات فقهية معينة، فالميراث الفقهي متنوع وقابل للاختيار من بين متونه الكثير, وهذا ما تمت صياغته بكفاءة من قبل هذ الجماعات وبمساعدة رجال الدين، وهذا ما حدث في السبعينيات عندما خرجت جماعة المسلمين، التي أطلق عليها جماعة التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفي، ظهر كتاب دعاة لا قضاة، الذي قيل لاحقا إنه كان تحت إشراف الأجهزة الأمنية وبمساعدة رجال الدين. يجب أن نفكر بعقلانية حتى نخرج بأقل الخسائر من المأزق الذي يعيشه الوطن على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. يجب سد الثغرات وتهدئة النفوس وفك الاحتقان، فلا مجال لمزيد من الحرائق، ولا يجب أن يترك الأمر لشباب أغر لا يملكون الحكمة، ويتصرفون بعاطفة ربما تكون غاضبة وكارهة لأسباب نستطيع تفسيرها، ولكننا لا نقبل تبريرها بأي حال من الأحوال، فعلى الحكمة أن تتدخل لإطفاء الحرائق القابلة للاشتعال.