الأخبار
محمد السعدنى
«بوليزني دوراك» وقمة الرياض
»الهروب للأمام»‬ واحدة من الخطط التكتيكية المعروفة في الحرب والسياسة والاقتصاد، فالتكتيك خطة مرنة لتحقيق هدف جزئي يستجيب لمعطيات اللحظة وضروراتها، وتعد نوعاً من المناورة لتعديل موقف صاحبها إلي الأفضل، سواء كان دولة أو حكومة أو رئيساً، ويعد التكتيك ناجحاً إذا خَدَمَ علي الاستراتيجية، التي هي مخطط شامل للوصول إلي أهداف نهائية مدروسة ومحددة تستهدف المستقبل وطموحاته. ولعل دونالد ترامب في تحركه نحو المنطقة يمارس هروباً للأمام من مشكلات وتعقيدات السياسات الأمريكية والمشكلات الداخلية التي تحاصره، والتي ارتفع منسوب مخاطرها بعد إقالته لجيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي حين اقترب من توريط الرئيس الأمريكي بفتح تحقيقات تمسه شخصياً قبل رجاله في علاقاتهم مع الكرملين والمخابرات الروسية بشأن تدخلهم في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، وكذا قيامه الأسبوع الماضي، بحسب »‬واشنطن بوست» بالكشف عن معلومات استخباراتية حساسة حول تنظيم داعش للسفير الروسي سيرغي كيسلياك ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي، ما استدعي مع تنامي الاتهامات نائب وزير العدل »‬رود روزنشتاين» لتعيين محقق خاص »‬روبرت مولر»، في ظروف مشابهة تماماً لما حدث مع الرئيس نيكسون في فضيحة ووتر جيت وأدت لاستقالته. ولعل هذه التداعيات مع غيرها استغرقت وقتاً طويلاً للتفاعل في الأوساط السياسية والاستخباراتية الأمريكية وضربت طوقاً حول الرئيس ترامب وأركان إدارته طوال الشهرين الماضيين، وحتي قبل زيارة الرئيس السيسي وولي ولي العهد السعودي لواشنطون. وهي نفس الأزمة التي اضطرت ترامب لقبول استقالة مستشاره للأمن القومي »‬مايكل فلين» وتجميد مسئوله الاستراتيجي بالبيت الأبيض »‬ستيفين بانون».
من هنا جاءت قراءتنا لزيارة ترامب للسعودية والتقاؤه مع قادة الدول الإسلامية، ومحاولته لتجييش المنطقة لخدمة سياساته وإخراجه من أزماته، باعتبارها حركة تكتيكية للهروب للأمام، بحثاً عن وجبات مجانية يدفع ثمنها دول الخليج وعلي رأسها السعودية. كيف؟
نقلاً عن الصحف الأمريكية، وتحت عنوان: »‬ما الذي يمكن أن يحققه ترامب في الرياض؟» قال »‬سايمون هندرسون» مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة في معهد واشنطن للدراسات السياسية: »‬إن زيارة ترامب إلي الرياض والمنطقة تبدو طموحة علي صعيد الجغرافيا والسياسة والاقتصاد، لكنها لن تحدث اختراقات في القضايا المعقدة». وفي هذا قال معلق الشئون السياسية في القناة الثانية للتليفزيون الإسرائيلي»أودي سيغل» أن ترامب سيطالب الحكام العرب بأن يرفعوا الحظر المفروض علي سفر الإسرائيليين للدول العربية والسماح بخطوط جوية مباشرة مع تل أبيب والتعاون في قطاع الاتصالات وفتح قنوات التجارة الحرة بصورة أكبر، وقبول مشاركة الفرق الرياضية والفنية الإسرائيلية في الفعاليات الدولية والإقليمية التي تنظم في الدول العربية».
وبخلاف ما تراهن عليه قيادة السلطة الفلسطينية والحكام العرب، كشف السفير الأمريكي الجديد في تل أبيب »‬ديفيد فريدمان» أن ترامب الذي يدعو لـ»صفقة القرن» لا يملك أي خطة لتحقيقها، وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة »‬يسرائيل هيوم» ونشرتها السبت، وترجمتها »‬عربي 21»، نفي فريدمان أن »‬تكون إسرائيل مطالبة بتقديم أي تنازلات من أجل إنجاز تسوية للصراع ولا حتي تجميد بناء المستوطنات».
كما تري إذن هي وجبة مجانية لترامب وإسرائيل علي حساب العرب، وهي مغامرته باستدعاء حلف بغداد ونوري السعيد تحت مسمي »‬ناتو عربي» ترسيخاً لاستهلاك المنطقة وإمكاناتها وفوائض عائدات بترولها في حرب طائفية مهلكة للسنة والشيعة، لا يستفيد منها إلاه وإسرائيل. وأحسب أنه مشروع لن يمر، ولنا في »‬عاصفة الحزم» والتحالف الإسلامي درس وعبرة، وفي تقديري أن القيادة المصرية التي رفضت الدخول لمستنقع اليمن ورفضت تقسيم سوريا وتغيير الأنظمة بالقوة المسلحة، لا يمكن أن توافق علي إحياء سياسة الأحلاف التي أسقطتها مصر الخمسينيات مع زعيمها جمال عبد الناصر، ومن المستبعد أن توافق مصر عليها اليوم مع الرئيس السيسي الذي نراه أذكي من ذلك. وهنا السؤال يطرح نفسه: إذا كان ذلك كذلك فلماذا يشارك الرئيس السيسي في لقاء ترامب؟ والإجابة: إنه دور مصر وظروفها التي تدفعها للتعاون والمشاركة ولعب أوراقها، لا التقوقع والانكفاء، وليس من الحصافة ألا يقبل الرئيس دعوة ملك السعودية واتصال ترامب تليفونيا الاثنين الماضي يبلغ السيسي رغبته في لقائه بالرياض. ولقد حدث بالأمس اللقاء بينهما والوفدين المرافقين لبحث ترتيبات مكافحة الإرهاب. ولعل السيسي بمشاركته يستطيع أن يحجم من معدلات انزلاق المنطقة، ولعله يعرف وإدارته كيف يستطيع توظيف اندفاع ترامب ليكون »‬مفيداً» في التعاون الجاد وتحويل بعض تكتيكاته لخدمة المنطقة. وأقرأوا معي ما نشرته الـ»واشنطن بوست»الأربعاء الماضي لـ »‬مايكل هايدين» الرئيس السابق لكل من وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية والأستاذ الحالي في جامعة جورج ميسون الذي أطلق فيه علي دونالد ترامب لقب »‬بوليزني دوراك» وهو اصطلاح يعني »‬الأحمق المفيد» باللغة الروسية إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي. كان يقصد هايدين بذلك رؤية الرئيس الروسي »‬فلاديمير بوتين» لترامب وهو يحاول توظيف حماقاته بما يخدم مصالح روسيا في العالم، إذ الحكم تجربة جديدة لترامب، وهو من أقل الرؤساء خبرة في تاريخ أمريكا.
إذا كان المتخصصون من الأمريكيين يرون في رئيسهم ذلك الوصف، فهلا تنبه العرب لذلك؟ وهلا يضعون في حسبانهم أن ترامب ليس هو الشريك المؤتمن والصديق الوفي الذي يمكن أن يدعوه هو وحليفته إسرائيل علي مثل هذه الوجبات المجانية الباهظة التكلفة والتي حتماً ستدفعها أجيالنا القادمة من مستقبلها وحاضرها؟ أشك، إلا فيما يخص مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف