الأهرام
ليلى تكلا
مصر التى فى خاطرى
كل مرة تصورت فيها أنى أعرف الكثير عن مصر، اكتشفت أن ما أعرفه نقطة فى محيط من المعرفة والقيم التى تثرى الفكر والعقل. تسعد القلب والوجدان وتمد الإنسان بطاقة حب العمل الذى بدونه لن تتحقق أهدافنا.

مصر اشتهرت بإنجازاتها فى مجال الهندسة والمعمار ، والطب والتحنيط لكنها تفوقت أيضا فى القانون والقضاء والعدالة ونظم الحكم والدفاع ، فى الزراعة والصناعة والتجارة والفلك ، فى التعليم والتربية وتنمية الذهن والتفكير. عرفت الأديان وتعاليمها وحساب الآخرة. اهتمت بالفن والترفيه والرياضة والأسرة والطفولة وحقوق المرأة....

فى متحف المتروبوليتان وسط «جواهر» مصر، قالت لى سيدة لا أعرفها «لك أن تفخرى أنك مصرية» إنهم يعرفون عن تاريخنا أكثر مما نعرف، والسبب اهتمام المدارس والإعلام والأنشطة الثقافية فى التوعية بهذه الحضارة التى أصبحت تراثا عالميا ليس مصريا فقط.. فأين أبناؤنا من كل ذلك؟ إن من يعرف مصر، تاريخها وتراثها، ما قدمت للعالم، ومازالت تقدم، ما واجهت من تحديات تغلبت عليها جميعا ومازالت تواجه من تحديات سوف تتغلب عليها، لا يمكنه إلا أن يعشقها ويرتبط بها ولن يسىء إليها أو إلى شعبها وكرامته.

قيام المناهج بمسئوليتها فى هذا المجال يفرض التحرك فى مسارين: أحدهما التعريف بالماضى الذى نفخر به والآخر تطوير الحاضر بما يتناسب مع مقتضيات المرحلة وتطلعات الشعب.

بالنسبة للمسار الأول هناك تطور إيجابى فى التعريف بتاريخ مصر وتراثها وغرس الوطنية والانتماء، لكنه لا يكفى وليس بالقدر اللازم. نحتاج جرعة أوفى تعطى مصر حقها على أن تقدم بصورة مشوقة تليق بها. لذلك ندعو واضعى المناهج الرجوع إلى بعض ما كتب عن مصر، إنجازاتها وعطائها عبر العصور، والاستعانة بكتب الدكتور الطبيب وسيم السيسى الذى عشق تاريخ مصر وكتب فيه ثلاثة كتب مبهرة وكتابات د. زاهى حواس عالم المصريات ذى الشهرة الدولية الذى يسعى إلى خبرته قادة الدول وعلماؤها (ونرفق بالنسخة الإلكترونية للأهرام قائمة لبعضها، 12 كتابا إلى جانب كتب باللغة الإنجليزية) وغيرها لاختيار بعض ما بها وتلخيصه بأسلوب يناسب المراحل العمرية المختلفة بحيث تصبح جزءا من المناهج أو التدريبات فى جميع مراحل الدراسة. الإقتراح الآخر موجه إلى جامعة القاهرة التى أعتز كثيرا بالانتماء إليها، اقتراحى المحدد الذى أتمنى أن يبادر به وتأخذ به سائر الجامعات يدعو إلى الاهتمام بمجموعة كتب رائعة عن الطب عند قدماء المصريين، الهندسة، الزراعة والعلوم السياسية ونظم الحكم والقضاء..الخ وتكون هذه الكتب ضمن مناهج السنة الأولى فى كليات الطب والهندسة والزراعة والعلوم السياسية والفنون إلخ على التوالى. قد يكون الاقتراح غير عادى لكنه ممكن وضرورى.

بالنسبة للمسار الثانى نشير إلى ستة أمور: غير صحيح أن مصر أضاءت بأبنائها وعطائها فى الماضى فقط وأنها فقدت مكانتها والريادة، هناك دول «كانت» لكنها تفتتت وانتهى دورها، وأخرى ظهرت وتحاول أن تبحث لنفسها عن تراث وهوية لكن مصر مازالت زاخرة لليوم بالقيادات فى جميع المجالات لا يعرف الدارسون عنهم شيئا بينما تحشو عقولهم بشخصيات غير مصرية. لها رصيد تزخر به من المفكرين والكتاب وعلماء الذرة والناتو والشعراء والرياضيين، وفى مجال الثقافة مازال الطريق إلى النجومية يمر بالقاهرة. كلها قصص نجاح تستحق أن تروى وتسجل لتصبح قدوة لشباب اليوم. لدينا كم هائل من الإنجازات والانتصارات ومن المؤسسات والمبادرات التى تحمل اسم مصر، يجب أن تطرح وتناقش مع الطلبة ليشعروا بالكبرياء والترفع عن الصغائر تأكيدا للمشاركة والحوار.

المناهج الدراسية من أنجح وسائل غرس القيم الثقافية التى تحتاجها مصر، مثل ثقافة الانتماء وثقافة حب العمل وقبول التعددية وغير ذلك. نلقى اللوم دائما على الإعلام، صحيح أن تقصيره شديد لكن تقصير المناهج أشد ضررا فهو مفروض على العقل المصرى لا يمكن تجنبه بينما الإنسان يمكن أن يختار ما يشاهد وما يقرأ.

وهناك دعوة الرئيس السيسى أن تصبح مصر منبرا ومنارة ومصدر إشعاع للتعايش وتكون قدوة ومثلا على التنسيق والاحترام المتبادل بين أصحاب الثقافات والمذاهب والأديان ومصر على ذلك قادرة، متى نغرس فى عقول الطلبة الفكر الصحيح. مطلوب مراجعة المناهج لتواكب المرحلة الحالية وتعريف الطلبة بأسس الحكم الدستورى والمبادىء التى أقرها الدستور وبما تمر به مصر وما تواجهه من تحديات واختيارات ودور المواطن فى كل هذا، وعليها أن تغرس فيه القيم النبيلة التى ينص عليها الدستور والتى لا تتحقق بالقانون وحده إنما باستيعاب كل مواطن مضمونها وأهميتها ودوره فى تحقيقها.

مصر تفخر برجالها ونسائها على حد سواء، لكن المناهج كلها ودائما تعطى الأفضلية والأولوية للصبى على الفتاة، وللطفل على الطفلة، الرجل هو القادر الملتزم، والأثنى هى الضعيفة غير الملتزمة، تفرق أيضا بين المواطنين حسب العقيدة الدينية. فى إهدار كامل للمواطنة والمساواة التى نص عليها الدستور. أصبحت المناهج دعوة صريحة للدولة الدينية التى تقوم على المرجعية الدينية، بينما الشعب اختار دولة دستورية!! والحديث مستمر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف