الأهرام
د. ابراهيم نجم
نحو مشروع قومى للتواصل مع العالم
التواصل مع العالم أضحى ضرورة واقعية وفريضة دعوية، ولكن يبقي السؤال دائما: ماذا قدمنا وماذا سنقدم في هذا السياق؟ كيف سنشارك الإنسانية أفكار السلام ونبذ العنف؟ وكيف سنتعاون مع من يشاركنا هذه الأفكار والرؤي؟ علينا أن نسأل أنفسنا في زحمة اللغط والجدال الذي يصل أحيانا إلى حد التطاحن الإسلامي الإسلامي ماذا قدمنا لهذا الدين خارج أرضه؟ ما الذي صنعته وسائل إعلامنا لتوصيل صورة الإسلام الصحيح إلى الدول الغربية الأوروبية وإلى الهند والصين والأمريكتين، وإذا كنّا نعتقد بأن رسالتنا هي رسالة رحمة للعالمين فهل عملنا على توصيلها صحيحة موثقة نقية غضة طرية لمن أراد على أقل تقدير أن يفهم صورة الإسلام فهما صحيحا؟

نحن نعاني من حالة استعداء وتشويه غير عادية ضد الإسلام تشنها وتمارسها كثير من وسائل الإعلام الموجهة وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م وما أعقبها من أحداث إرهابية في الشرق والغرب.

وبغض النظر عن نوايا هذه الوسائل الإعلامية علينا أن نعترف أن كثيرا من التنظيمات الإرهابية المجرمة التي تنسب نفسها زورا وبهتانا إلى الإسلام قد مارست بحق هؤلاء من أعمال إرهاب وقتل لا يرضى عنها الإسلام البتة، ومهما تبرأنا من هؤلاء ومن أفكارهم ومهما استنكرنا أفعالهم فإننا نظل ملزمين أدبيا وأخلاقيا ودينيا تجاه العالم أجمع بأن نصحح ما ألصقوه بالإسلام من كذب ومغالطات بحق موقف المسلم من غير المسلم.

لقد دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى ثورة دينية تعمل على تجديد الخطاب الديني وتنقية التراث مما علق به مما لم يعد صالحا لا للزمان ولا للمكان، وإن من أولى الأمور التي تدفع هذا التجديد خطوات إلى الأمام هو إعادة النظر في المساحة والمجال والأفق الذي يتوجه إليه الخطاب الديني المعاصر خاصة لأمة الدعوة التي يربو عددها علي ستة مليارات نسمة.

سيظل الخطاب الديني المصري قائدًا رائدًا يحافظ على الخصوصية المصرية ويصلح لخطاب العالم في نفس الوقت ، وسنظل نحن مكلفين بحكم الريادة وبحكم ما حدث من متغيرات واقعية وعالمية-بتجديد فهمنا للناس وتواصلنا مع المتعطشين لنا تواصلا يسهم في تبليغ الدعوة وتصحيح الصورة.

والناظر لخريطة الخطاب الديني في الخارج وعلي وجه الخصوص داخل المجتمعات الغربية يرصد تطرفًا وتطرفًا مضادًا، فمن ناحية تجد كثيرا من المتدينين يعيشون في هذه البلاد ويدَّعون الانتماء لها وهم يتبنون في الوقت نفسه دعوات العنف والكراهية وهو ما يدفع البعض للتشكيك في مدى إيمان هذه المؤسسات بقيم المواطنة والمساواة ومكافحة التمييز التي تتمسك بها هذه البلاد، وعلى الجانب الآخر، تجد حركات مضادة للمهاجرين ومروجة للإسلاموفوبيا، كما أن هناك خطابا وسطيا لا يؤيد التطرفات؛ فمع من نتعاون؟ وكيف؟ وبأية درجة؟

أيضا يمكن بملاحظة القضايا التي يتناولها الخطاب الديني في هذه البلاد أنك ربما تجده يعالج نفس القضايا التي ننشغل بها في الشرق أحيانا. لأن الذين حملوا هذه الهموم إلى بلاد الغرب لم يتقرر لديهم اختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وربما وجدت قضايا وفتاوى معادية للدولة والمجتمع.

وإنه كما تسعى مصر للتصدي للمتطرفين والإرهابيين نيابة عن كل إنسان لحماية العالم من شرهم فقد بات من واجبنا الريادي أن نستكمل الأخذ بالزمام والمبادرة ونشارك بقوة في ضبط بوصلة الخطاب في الداخل قبل الخارج لا من باب السعي لسيطرة ولا تحكم فهذا لم ولن يكون من سلوك مصر عبر تاريخها في تعاملها مع الآخرين، وقد كان هذا المسلك سببًا في دعم التطرف والإرهاب في كثير من الأماكن والدول، وإن هذا ليبرهن يوما بعد يوم على عبقرية الوسطية المصرية، ولكننا إذ نسعى في ذلك نقوم بواجبات دينية ووطنية عدة منها إصلاح ذات البين وإطفاء الحرائق، ومنها إفشاء السلام على اتساع معانيه، ومنها التعاون على البر والتقوى والحق إلى غير ذلك من المنطلقات الدينية التي لا نبالغ أبدًا إذا قلنا إنها تسري في الشخصية المصرية كما يسري الورد في الماء.

من هذا المنطلق أري أن من أوجب الواجبات الآن توجيه الطاقات الكبيرة إلى تصحيح صورة الإسلام إعلاميا ودعويا بمختلف الألسنة واللغات، بدلا من حالة الإثارة واللغط والبكاء علي اللبن المسكوب.

لو تكاتفت الجهود المبعثرة في شكل منضبط ومنظم لساهم ذلك بلا شك في تصحيح الصورة والمفاهيم المغلوطة المشوهة ومن ثم تخفيف ما لحق بالإسلام من عداء وتشويه يقوم بها أعداؤنا في الداخل قبل الخارج. إنني أدعو دوائر اتخاذ القرار في مصرنا الغالية لتبني هذا الأمر مشروعا قوميا يدعم قوتنا الناعمة من ناحية ويظهر قدرتنا على التجديد الرشيد من ناحية أخرى، وإن مصر لتستطيع وللحديث بقية إن شاء الله

(َلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف