المصريون
جمال سلطان
قمة الرياض .. هل نجحت في ترويض ترامب ؟!
انتهت اليوم أعمال القمة الإسلامية الأمريكية التي شهدتها الرياض ، والحقيقة أن كل من تابع اللقاءات والتصريحات وحتى كلمة ترامب يدرك بسهولة أنها القمة السعودية الأمريكية ، أو في أبعد الأحوال الخليجية الأمريكية ، وباقي القادة والرؤساء والشخصيات هم حضور شرف للحفل لا أكثر ، وهذه الزيارة والقمة وضعت الختم الأخير على اعتماد المجتمع الدولي المملكة العربية السعودية القيادة العربية المحورية التي يتعامل معها العالم ويعمل لها حسابا ، وأنها بالفعل مركز القرار العربي ، نظرا لقوتها الاقتصادية وقيادتها الواضحة للقرار الخليجي الذي يعتبرها الشقيق الأكبر ، إضافة إلى امتلاكها أقوى قوة ناعمة في العالم الإسلامي ، رعاية البقاع المقدسة ، وهي التي أشار إليها ترامب في كلمته ، عندما قال أن السلام يولد من أقدس بقاع الأرض .
تفهم السعودية "غريزة" صانع القرار الأمريكي ، فعملت من خلالها ، وعقدت صفقة ضخمة تتجاوز الثلاثمائة مليار دولار أمريكي ، وهي الأكبر في التاريخ بين الدول ، ولكنها تمتد على مدار عشر سنوات ، بمعدل تقريبي ثلاثين مليار دولار سنويا ، وهي قيمة ليست بالمهولة إذا حسبنا طرفيها وقوتهما الاقتصادية والمالية ، كما أن الصفقة تشمل ـ ليس فقط تسليحا ـ وإنما تصنيعا عسكريا مشتركا وتدريبا وصناعات أخرى ، إضافة إلى الأهم وهو شراكة سياسية واستراتيجية تجعل المصالح السعودية ـ والخليجية ـ في رأس القرار الأمريكي المتعلق بشؤون المنطقة ، مع المصالح الإسرائيلية قطعا التي ستظل أولوية للقرار الأمريكي ، وهذه الشراكة تعزز من قوة موقف المملكة والخليج العربي كله في وجه الصراع الوجودي الذي فرضته على المنطقة دولة الملالي الإيرانية ، والتي تتحرك وفق نوازع شديدة العدوانية في المنطقة ، وتحرك الأقليات الشيعية فيها لإثارة الاضطراب ، ونجحت بالفعل في السيطرة على القرار السياسي والاستراتيجي في أربع عواصم عربية على الأقل ، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ، كما أن رئيس أركان الجيش الإيراني هدد السعودية علنا قبل أسابيع بتدمير مدنها بالكامل باستثناء مكة والمدينة حسب قوله الاستعراضي ، والحقيقة أن تلك المواجهة مواجهة وجودية للخليج العربي كله ، ويرخص أمامها أي نفقات تنفقها دول الخليج ، ولا بد للمتابع العربي أن يدرك تلك الخلفيات والحساسيات الخطيرة إذا أراد أن يفهم لماذا أقدمت السعودية على تلك الشراكة الضخمة مع أمريكا .
خطاب ترامب كشف عن تلك التوجهات ، وقد برز في الخطاب تجاهله التام لعبارته الشهيرة عن "التطرف الإسلامي" والإرهاب الإسلامي ، وواضح أنه تم "ترويضه" في تلك الزيارة ، كما أن ثناءه على الإسلام والبقاع المقدسة وثناءه على الملك سلمان شخصيا وعلى المملكة تحول كبير يتناقض تماما مع الخطاب العدواني والمهووس عن "الوهابية" أثناء حملاته الانتخابية ، كما أن خطابه أكد على تلك الشراكة في وجه "الإرهاب" الذي تمثله إيران ، قالها صراحة ، وأكد أن إيران تمارس الإرهاب وتموله في المنطقة ، كما أثنى على جهود السعودية في مكافحة التطرف ، وافتتح ـ مع الملك سلمان ـ مركزا دوليا لمكافحة التطرف ، هذا الكلام عندما يحدث في الرياض ، العاصمة السعودية التي طالما اتهمت من قبل ترامب واليمين الأمريكي بدعم التطرف والوهابية المعززة للإرهاب ، يعني تحولا حقيقيا كبيرا في خطاب "رأس" اليمين الأمريكي .
تبقى تساؤلات مشروعة عن مستقبل تلك الشراكة في ظل الوضع القلق لترامب في أمريكا ، واتساع نطاق التحقيقات حول علاقاته وعلاقات حملته الانتخابية بالروس ، وقد وصلت الأمور إلى مستوى خطير ، والأحداث تتلاحق ، ولا يستبعد أن تنتهي بعزل ترامب فعلا من رئاسة الولايات المتحدة ، فإذا حدث ذلك ، ما هو مصير تلك الاتفاقيات ، وما هي ضمانات استمرارها من الطرفين ، هذا ما يمكن أن ندركه بعد ذلك من أحاديث الديبلوماسية السعودية والديبلوماسية الأمريكية أيضا .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف