أحمد عبد التواب
عندما بنى المسيحى مسجداً..
يُعلِّق المحامى الأستاذ بدوى أبو شنب من الأقصر على مقالى “لا خير فى الأثرياء الجدد” المنشور فى 4 إبريل الماضي، الذى أخذتُ فيه عليهم عدم إيمانهم بالدور الاجتماعى لرأس المال، وقلتُ إنه صار من واجب الدولة أن تُحصِّل بنفسها نصيب هؤلاء الأثرياء فى الأعباء العامة الضاغطة بشدّة التى تتحملها بالكامل الجماهير الفقيرة ومتوسطة الحال. ويذكر الأستاذ أبو شنب نموذجا وطنيا رائعا لرجل أعمال فاضل فى الأقصر فى أربعينيات القرن الماضي، وهو المرحوم يسّى باشا، المسيحى الذى قام بإنشاء مسجد على نفقته الخاصة لأنه شاهد المسلمين يُصلّون الجمعة تحت شمس الأقصر الحارقة. ولكن جميله لم يشفع له، ووقع تحت طائلة التأميم ومصادرة بيته الخاص وتخصيصه مقرا للاتحاد الاشتراكي. ويضيف أيضا حالة عقود إيجار الأراضى الزراعية التى صارت عمليا وكأنها أملاك للمستأجرين. ويخلص الأستاذ أبو شنب إلى أن هذا لا يُشجِّع الأثرياء الجدد على الأعمال الخيرية.
وأقول إن ما صار يُعرَف فى الحديث العام بقرارات يوليو، ووصفها بأنها اشتراكية، يطول فيه الكلام، كما يحتمل الكثير من الأخذ والرد. وإن كان هذا كله يخرج عن موضوع مقالى المشار إليه، لأننى لم أقصد الأعمال الخيرية، مثل النموذج الجميل الذى قام به الراحل يسّى باشا، ولكننى أطالب بأن يدفع الأثرياء ما يفرضه عليهم القانون، أو ما يجب أن ينصّ عليه قانون عادل يراعى تفاوت القدرات.
وأما أعمال الخير التطوعية من الأثرياء، فإن التاريخ يؤكد أنها نادرة من الأفراد الذين أحدثوا الطفرة النوعية فى الثروة ونجحوا فى إحداث تراكمات ساعدت على تعاظمها، فهؤلاء يتسمون عادة بالأنانية والجشع والشحّ والغِلظة، مثل كثيرين ممن نراهم هذه الأيام فى صدر المشهد! وإنما يقوم بالخير أجيال من الأثرياء تأتى لاحقا، بعد دأب من المؤسسين بأن يتعلم أبناؤهم أفضل منهم، والأحفاد أفضل من الأبناء، فتستقر الأفكار والقيم الراقية مع كل جيل أحدث، فيضعون الغير فى اعتبارهم، وتصير الأناقة سلوكا تلقائيا، وكذلك تذوقهم للفنون والآداب، وكياسة التعامل مع من يعملون لديهم..إلخ.