الوطن
على السلمى
تطوير التعليم بين المؤتمرات.. والحلول! (2 - 3)
فى يوم الرابع والعشرين من فبراير 2016 أطلق الرئيس السيسى خطة 30/20 للتنمية المستدامة، وقد تضمنت محوراً استهدف «إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون تمييز، وفى إطار نظام مؤسسى، وكفء وعادل، ومستدام، ومرن، وأن يكون مرتكزاً على المتعلم والمتدرب القادر على التفكير والمتمكن فنياً وتقنياً وتكنولوجياً، وأن يساهم أيضاً فى بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكانياتها إلى أقصى مدى لمواطن معتز بذاته، ومستنير، ومبدع، ومسئول، وقابل للتعددية، يحترم الاختلاف، وفخور بتاريخ بلاده، وشغوف ببناء مستقبلها وقادر على التعامل تنافسياً مع الكيانات الإقليمية والعالمية».

تلك الرؤية لم تجد سبيلها إلى التحقيق على أرض الواقع المصرى المشحون بالمشكلات، وقد اتصفت بالمبالغة إلى حد غير مسبوق، فهى تحدد العام 2030 ليصل التعليم والتدريب «للجميع»، وأن يكون ذلك التعليم فضلاً عن التدريب متصفاً بالجودة العالية ودون تمييز بين المتلقين لنظام التعليم الذى سيكون بعون الله متصفاً بكل الأوصاف التى كتبها واضعو الرؤية فى حال اكتسب المصريون كل تلك الخصال الوردية!!!!!

وزادت خطة 30/20 فى الإحباط العام للمصريين حين يقارنون بين حال التعليم الذى يتعرض له أبناؤهم فى مختلف مستويات التعليم الجامعى والعالى وقبل الجامعى، وبين الأهداف الاستراتيجية التى يحلم بها كاتبو الاستراتيجية؛ ومنها تحسين جودة نظام التعليم فى جميع مراحله بما يتوافق مع النظم العالمية بالعمل على تفعيل قواعد الجودة والاعتماد والمسايرة للمعايير العالمية، وتمكين المتعلم من متطلبات ومهارات القرن الواحد والعشرين، والتنمية المهنية الشاملة والمستدامة المخططة للمعلمين، وتطوير المناهج بجميع عناصرها بما يتناسب مع التطوّرات العالمية والتحديث المعلوماتى مع مراعاة سن المتعلّم واحتياجاته البيولوجية والنفسية، بحيث تكون المناهج متكاملة وتُسهم فى بناء شخصيته.

وتضمنت الأهداف الاستراتيجية للتعليم الأساسى تطوير البنية التنظيمية للوزارة والمديريات والإدارات التعليمية والمدارس، بما يحقق تحسين الخدمة التعليمية المقدّمة فى حين صرح د. طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، ولا شك عندى فى صدق تصريحه، بأن الوزارة «تضم 1.7 مليون موظف، منهم 1.2 مليون يتعاملون مع الراتب على أنه معونة اجتماعية»، لافتاً إلى أن «تصرفات وعقليات هؤلاء الموظفين ليست عقليات موظفين يؤدون عملهم للحصول على رواتبهم، وإنما يتعاملون بمبدأ أنهم يحصلون على معونات ويريدون علاوة فوق المعونة»، وكان ذلك ضمن كلمة الوزير خلال اجتماع لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب.

كما تشمل أهداف رؤية 30/20 التوصل إلى الصيغ التكنولوجية الأكثر فاعلية فى عرض المعرفة المستهدفة وتداولها بين الطلاب والمعلمين، مع توفير بنية تحتية قوية داعمة للتعلّم وتطوير منظومة التقييم والتقويم فى ضوء أهداف التعليم وأهداف المادة العلمية، والتركيز على التقويم الشامل دون التركيز على التقييم التحصيلى فقط.

وواصلت خطة 30/20 إثارة الإحباط العام حين أسرفت فى صياغة أهداف شبه مستحيلة بالقياس للأوضاع المتردية لمنظومة التعليم المصرية، بأن تصبح مصر من أفضل عشر دول فى مؤشر امتحان «اتجاهات الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم TIMSS»، ووجود عشر جامعات مصرية على الأقل فى مؤشر أفضل 500 جامعة فى العالم، وهى من أفضل 20 جامعة فى الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات المعترف بها عالمياً.

وحتى يوم عقد مؤتمر جامعة القاهرة لم تكن تلك الاستراتيجية الطموحة قد وضعت موضع التنفيذ، ودليلنا على ذلك أمران؛ الأول هو عقد المؤتمر فى حد ذاته للبحث عن «حلول إبداعية» للتعليم فى مصر، والثانى هو ما انتهى إليه المؤتمر من توصيات تقطع بأن كل ما جاءت به خطة 30/20 كان من قبيل التمنيات التى لم تتحقق على أرض الواقع حتى تاريخه!!

تقرير البنك الدولى

أعد التقرير فريق من خبراء التعليم فى العالم جمعهم «البنك الدولى» و«منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى»OECD، بناء على طلب وزير التعليم العالى عام 2008، ولم يلتفت إليه أحد!! وقد حدد التقرير توجهات رئيسية لإصلاح نظام التعليم العالى فى مصر، هى ضرورة توضيح القدرات المتوقعة للخريجين وإصدار مؤشرات أكثر وضوحاً عن الغرض من التعليم العالى، ومعانى المؤهلات العلمية، ومعايير إنجاز الخريج، كما بين أهمية تحسين التوازن بين مخرجات التعليم العالى واحتياجات سوق العمل حتى يصبح أكثر اتصالاً بالظروف المعاصرة فى مصر.

وأوضح التقرير الحاجة إلى تحديد دور كل من مؤسسات التعليم العالى المختلفة وتحقيق التوازن الفعلى بين التنظيم الذاتى لكل مؤسسة وبين الرقابة الحكومية الشاملة لنطاق وهيكل وجودة وتكلفة نظام التعليم العالى فى مصر، مؤكداً أهمية تحقيق الاستقلال الأكاديمى والمالى والإدارى للجامعات، ومن شأن هذا تقاسم التكاليف بين الطلاب والجامعات بمزيد من العدالة وتوسيع نطاق نظام التعليم العالى وزيادة جودته، وأن تقترن زيادة الرسوم الدراسية بتقديم منح دراسية وقروض للطلاب.

واحتل تحديث التعليم الفنى والمهنى مكاناً مهماً فى تقرير البنك الدولى، فضلاً عن التوسع فى الخدمات التعليمية التى يقدمها القطاع الخاص، وزيادة استخدام التعلم الإلكترونى والمختلط الأساليب، والإفادة من مؤسسات التعليم العالى الأجنبية ومقدمى الخدمات التعليمية المعتمدة من مؤسسات وطنية، كذلك أوصى تقرير البنك الدولى بالتوسع فى معايير القبول للاعتراف بالإمكانات المتنوعة، حيث إن الاعتماد الكامل على درجات النجاح فى الثانوية العامة كأساس وحيد للقبول فى التعليم العالى يحد من الفرص أمام العديد من الطلاب، وكان من أهم التوصيات رفع جودة المدخلات وإدماج ضمان الجودة كمسئولية لكل مؤسسة تعليمية ورصد جودة برامجها ومراجعتها وتفعيل نظم وآليات اعتماد ممارسات الإدارة القائمة على الأداء، وتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس والموظفين.

وأكد التقرير ضرورة تدعيم قدرة البحث الجامعى وروابطه مع الابتكار لتحديد المجالات المناسبة للاستثمار والتعاون بين المؤسسات فى المستقبل، كذلك قدم التقرير توصية لبناء عدد من النماذج الرائدة للمساعدة فى إدارة التحول من الأساليب التعليمية القديمة إلى الأساليب الجديدة وتجربة الابتكارات فى صورة مشروعات توضيحية قبل اعتمادها على نطاق واسع، وكان من أهم توصيات التقرير إعادة هيكلة إشراف الدولة على الجامعات وذلك بمنح الجامعات مزيداً من الحرية والاستقلال فى إدارة شئونها وإعطاء الجامعات الحكومية وضع الشركات الحكومية مع تكوين مجلس أمناء لكل جامعة له سلطة الإشراف على شئونها الأكاديمية والتنفيذية وفقاً لرسالتها المتفق عليها ورهناً بأساليب المساءلة المناسبة، كما اقترح التقرير النظر فى إنشاء مجلس أعلى أوحد للتعليم العالى ليكون صاحب السلطة العليا فى تخطيط وتنسيق وتقديم خدمات المعلومات للتعليم العالى فى مصر، وأن تدمج فى المجلس الأعلى الجديد الوظائف التى يمارسها حالياً المجلس الأعلى للجامعات، والمجلس الأعلى للجامعات الخاصة، والمجلس الأعلى للكليات التكنولوجية ووظائف وزارة التعليم العالى المتعلقة بسير العمل فى المؤسسات.

كما اقترح التقرير إصدار قانون موحد لكل الجامعات والمعاهد العليا، الحكومية والخاصة والأهلية والكليات التكنولوجية، والتوجه إلى استراتيجية للتدويل يتم بمقتضاها التفاعل الإيجابى لمؤسسات التعليم العالى المصرية مع محيطها الدولى، ورغم كل هذا الرصيد من الدراسات عن التعليم، لا نزال نعقد المزيد من المؤتمرات بحثاً عن «حلول إبداعية»، إنها مصر ولا عجب!!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف